الرئيسية / صوت الوطن / في المقاومة الوطنية الشاملة
في المقاومة الوطنية الشاملة

في المقاومة الوطنية الشاملة

إن الحفاظ على أرواح الشعب التونسي وعلى مقدراته الاقتصادية يستوجب انتهاج نهجا أكثر شمولية ممّا هو معمول به اليوم، نهجا جديا، لا فقط لمقاومة كورونا، وإنّما لتجاوز آثارها المدمّرة الاقتصادية والاجتماعية، والتخلّص من تَرِكة الماضي التي كبّلتنا وتركتنا في مثل هذه الحالة من الضّعف والوهن. وفي تاريخ الأمم والشّعوب عبر التاريخ وفي كلّ الظروف ومهما كانت التحوّلات والأزمات بأنواعها، غزوًا كانت أو حروبا أو مجاعات وأوبئة أو أزمات اقتصادية واجتماعية، لا يوجد من خيارٍ جديٍّ وشموليٍّ لمواجهاتها أنجع من خيار المقاومة الوطنية الشاملة.

وفي وضعنا الحالي، وضع مواجهة وباء فيروس كورونا (كوفيد 19)، يقوم نهج المقاومة الوطنية الشاملة على الإجراءات والقرارات التالية:

1/ الاعتماد على الذّات وتعبئة القدرات والموارد القائمة والمُتاحة والمحتملة على كامل المستويات.

2/ وضع البرامج التي توجّه القدرات والإمكانيات من أجل الدّفاع عن الشعب صحّيا واقتصاديا وأمنيّا، وتأمينه تأمينا كاملا وخاصّة فئاته الهشّة.

3/ انخراط كل مؤسّسات الدولة، وعلى رأسها الجيش الوطني، في المعركة بكلّ أبعادها.

إنّ هذا الأمر لن يكون متاحا إلا متى تحرّرت الدولة ومؤسّساتها وقيادتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية والعسكرية من الأوهام والعُقد السّابقة التي حكمت الدولة لأكثر من نصف قرن. وأوّل العُقد التي وجب التخلّص منها هي أننا دولة صغيرة وفقيرة وليس من حلول إلّا ما هو مُتاح من تبعيّة وذلّ واتّكال. وهذا يتطلّب فيما يتطلّب إعادة صياغة الخطاب والرّؤية، بما يمكّن من تعريف المجتمع التونسي بقُدراته الذاتية، وإعادة تعريف الناس بحقوقهم وواجباتهم في مثل هذه الظروف وتغيير قناعاتهم والقضاء على الوعي الزّائف الذي عشّش لعقود.

ودون إطنابٍ في تِعداد الأسباب الحقيقيّة لحالة الوهن والإنهاك التي وصلت إليها بلادنا والنّاتجة عن سيطرة النهج النيوليبرالي بالكامل على البلاد، هذا النهج المُناقض تماما لنهج المقاومة الوطنية الشاملة لا فقط على مستوى الخيارات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى للدولة، وإنّما في تكريسه للسلوك الاستهلاكي المُفرط للأفراد على عكس نهج المقاومة الوطنية الشاملة القائم على خيار ترشيد الاستهلاك وتخليص المجتمع من النّزعة الاستهلاكية المُفرطة وتحويله إلى النّمط الحِمائي المقاوم القائم على استهلاك المنتوج المحلّي من جهة، والابتعاد عن شراء الكماليّات ومظاهر البذخ والتّرف من جهة أخرى. إذ كيف نفسّر دولة في حالة حرب ويعيش شعبها في أغلبه صعوبات معيشيّة وتُصِر فيها وسائل الإعلام على برامج الطّبخ وإشهار الوجبات المكلّفة مثلا؟ ألم يكن من الأجدى تكثيف البرامج الوثائقية والّتقارير التي توثّق نماذج من تجارب الشّعوب التي خاضت حروبًا وطنية ونجحت أيّما نجاح، وترويج البرامج الثقافية وأفلامٍ ومسلسلات وأغانٍ لرفع الروح المعنوية للشعب؟ لقد قمت شخصيّا برصد ردود أفعال بعض المواطنين في شبكة التواصل الاجتماعي حول نقطة وردت في بيان للتيار الشعبي تطالب بضرورة طلب المعونة الطبّية من كوبا، فقد لاحظت تهكّم البعض على الفكرة بدعوى أن كوبا دولة فقيرة، وهذا جهل بالواقع وخضوع لفكرة التفوّق الغربي الرأسمالي، فكوبا أكبر مصدّر للأطباء في العالم حيث يوجد 50 ألف طبيب كوبي بالتّمام والكمال منتشرون في 67 دولة يوفّرون 11 مليار دولار سنويا لخزينة بلادهم، وهو ما يعادل تقريبا خلاص ديون تونس لسنة 2020، ويشكّلون أكبر مورّدٍ للعملة الصّعبة، وعديد الدول تُمضي عقودا مع الأطباء الكوبيّين مقابل تزويد كوبا بالبترول بأسعار تفاضليّة، ناهيك على خبرتهم في الأزمات الصحية في غرب إفريقيا في مقاومة الإيبولا أو في مقاومة الكوليرا في هايتي والآن في مقاومة كورونا في إيطاليا وغيرها. أليس حريّ بالشعب التونسي الاطّلاع على هذه التّجربة التي تُسفِّه مقولات من قبيل أن البلدان الغنيّة هي البتروليّة وأن التكنولوجيا والعلم حِكْرا على الغرب الرأسمالي؟

كذلك تتطلّب المقاومة الوطنية الشاملة تنمية الاقتصاد المحلّي من خلال التعاونيّات الأسريّة والمحلية (تعاونيات إنتاجية، إغاثة…) ودعم الاقتصاد المنزلي (حدائق منزلية لإنتاج بعض الخضروات، الحرف المنزلية كالنسيج والخزف…).

هذا من شأنه تحرير المجتمع من الفردانيّة والتّواكل، كما من شأنه إرساء ثقافة العمل والمشاركة ويُثبِت التّعاون المجتمعي المبنيّ على تعاضد الجهود بديلا عن الهِبات، بحيث يتعاضد أفراد المجتمع كلٌّ من موقعه وحسب قدراته، فالتعاونيّات تُجمِّع الأرض مصدر الإنتاج والعمال والتزويد والتّرويج فيقضى على البطالة والاستغلال والاحتكار.

وهذا ينطبق أيضا على القطاع الخاص، فإذا أراد تجاوز طبيعته الطفيليّة وتطوير نفسه والإسهام في تطوير المجتمع عليه الاتّجاه نحو المشاركة بتشريك العمّال في مجالس الإدارات وفي التّسيير وفي الأرباح وأن يتبنّى الخيار المجتمعيّ وليس الخيار الفرديّ المحض والمدمر.

علينا أن نؤمِن بأنفسنا وبقدرتنا على هزيمة المرض والفقر والتخلّف والتبعيّة. وهذا لن يتحقّق إلا بتغيير نظرتنا لأنفسنا ولبلادنا وللعالم، وهذا كلّه لن يحصل دون الإيمان بالمقاومة نهجًا وخيارًا باعتبارها العامل الوحيد الثّابت في انتصار الأمم والشعوب في كل مراحل التاريخ وفي مواجهة كلّ المصاعب.

محسن النابتي
القيادي بالتيار الشعبي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

إلى الأعلى
×