اليمن: نهاية عدوان أم مناورة؟
أعلنت أمس قيادة التحالف الإجرامية عزمها إيقاف حربها المدمّرة على الشعب اليمني الشقيق، ذاك العدوان الذي طوى عامه الخامس وسط تواطؤ عربي ودولي معيب.
فالجامعة العربية والأمم المتحدة لم يكتفيا فقط بالفرجة ومراقبة التدمير المنهج لكلّ مظاهر الحياة في اليمن الشقيق، وإنما انخرط الكثير من دولهما في لعبة التقتيل والتخريب إن بصفة مباشرة وقحة أو بصفة غير مباشرة (بيع أسلحة، تدريب…).
ومع منتصف ليلة البارحة عرفت بعض ساحات القتال هدوء غير مألوف، وتحرّكت ماكينات الديبلوماسية الآثمة في أكثر من عاصمة عربية ودولية للبحث في التفصيلات الدقيقة لمبادرة دول العدوان. تلك المبادرة التي تولّى نظام آل سعود الكشف عن بعض جوانبها مُبقيا على أهمّ عناصرها طيّ الكتمان والمجهول، الأمر الذي عزّز منسوب الحذر وحتى الرّيبة والسخط لدى أنصار الله (الحوثيين) وفق ما عبّر عنه الناطق الرسمي لتلك الحركة اليوم في أكثر من منبر إعلامي عربي ودولي.
ودون شكّ في أنّ كلّ القوى الثورية وجميع الحركات المحبّة للسلام والحياة في العالم لا يمكنها إلاّ الوقوف القويّ مع وقف هذه الحرب البشعة التي مثّل اندلاعها واستمرارها كلّ هذا الوقت فضيحة سياسية وأخلاقية كبيرة بالأخص لمحور الرجعية العربية وأسيادهم من قوى امبريالية وصهيونية.
في ذات الوقت لابدّ من الوقوف المعمّق على ظروف إطلاق هذه المبادرة ومضمونها وأهدافها حتى لا تكون خدعة جديدة لربح الوقت والعودة من جديد إلى أفظع أنواع التقتيل والتدمير.
في التّوقيت
تعيش كلّ دول العالم تحت وطأة تداعيات جائحة “الكورونا”. بل إنّ كلّ الوقائع تشير إلى أنّ أهمّ دول العدوان المباشر وغير المباشر هي اليوم الأكثر تضرّرا على جميع الأصعدة البشرية والاقتصادية… وليس مستبعدا أن تتفاقم أوضاع تلك الدول إلى حدود شديدة الوطأة في الأسابيع القادمة (دول الخليج، أوروبا، أمريكا….) ممّا يجعل تلك الدول منغمسة في معالجة الأوضاع الداخلية والانكماش في تمويل حرب عبثية لا انتصارات فيها ولا حتى مغانم تُذكر من ورائها. فحتى مبيعات الأسلحة قد يتراجع إنتاجها وترويجها نتيجة الحجر الصحي.
ويصبح الأمر أكثر خطورة في ظلّ تراجع أسعار النفط كما لم يحدث منذ عقود طويلة.
فتمويل حرب على تلك الشاكلة وطوال هذه السنوات يتطلّب أموالا طائلة يصعب توفير مستلزماتها اليوم.
ومعلوم أنّ المموّل الأساسي لآلة تلك الحرب القذرة في أوضاع شديدة الصعوبة. فالخزينة السعودية منهكة منذ وقت طويل. الأمر الذي دفع النظام السعودي ليس فقط إلى دخول دول الاقتراض والتداين لدى صندوق النقد الدولي وإنما أيضا الولوج إلى سياسات تقشفية (ترفيع أسعار، ضرائب، أتاوات،…) غير مسبوقة، ممّا ألهب مشاعر الغضب والسخط لدى فئات واسعة في السعودية.
وبالنّظر إلى الطابع الربيعي للاقتصاد السعودي واقتصار الجزء الأساسي من الموارد المالية لخزينة الدولة من عائدات مبيعات النفط والحج. وفي هذا السياق فإنّ كلّ العلامات تدفع إلى استمرار تراجع أسعار المحروقات وضياع مداخيل مناسك الحج والعمرة.
وفوق ذلك فعقد تحالف العدوان بدأ في الانفراط منذ وقت طويل نسبيا. فهذه الدول فيها من انسحب كليا وفيها من حافظ على مشاركة جزئية.
والأهم من كل ذلك حصول متغيرات معتبرة في موازين القوى العسكرية المرتبطة بحقيقة الميدان. فكلّ الأخبار الموثوقة تؤكّد رجحان موازين القوى منذ أشهر لصالح “الحوثيين” الذين تمكّنوا من استعادة مساحات جغرافية واسعة مثل جيزان، الجوف، ومأرب، والتقدم سريعا نحو محافظة “نهم ” الاستراتيجية ممّا يوحي بإمكانية نقل المعارك البرية إلى الداخل السعودي الذي لا يقدر لا عسكريا ولا شعبيا على تحمّل هذا التطور الذي يمثّل نقطة قوة لـ”أنصار الله “.
مضمون المبادرة
مثلما أسلف لم تكشف الإدارة السعودية ولا حتى المبعوث الأممي عن البنود التفصيلية لهذه المبادرة. إذ تمّ الاكتفاء بالحديث عن وقف القتال والمرور إلى تجسيده على بعض الجبهات مع تبريره بأمور إنسانية وأزمة “الكورونا”. والحقيقة أنّ مثل هذا الغموض لا يدفع إلى الاطمئنان حول جدية المملكة في هذا الإعلان خصوصا وأنها أعلنت سابقا أكثر من مرّة عن هدن انتهت جميعها إلى الفشل الذريع. وما يعزّز الشكوك أنّ المتحدث السعودي شدّد على وقف جزئي لهذا العدوان، ممّا يوحي باستمراره على الجبهات التي تختارها. أكثر من ذلك فالمتحدث أشار إلى استمرار الحصار الجوي والبري والبحري وهو حصار شامل يلحق أضرارا واسعة على الشعب اليمني.
الأهداف
إنّ الصيغة المقدمة في الوقت الحالي لوقف العدوان أقرب في اعتقادنا إلى المناورة أو الهدنة التكتيكي بغاية ربح الوقت والتقاط الأنفاس من دول العدوان المنهكة عسكريا واقتصاديا واجتماعيّا.
وعلى أيّ حال فإنّ مصلحة الأشقّاء في اليمن هو إيقاف هذه الحرب المدمّرة والمرور إلى إعادة بناء الدولة اليمنية الموحّدة والمستقلة فعليا عن كلّ قوى الهيمنة والتدخل الأجنبي.
عمار عمروسية
2020-04-12
إلى الأعلى