السلطة والشعب والكورونا
انتشر فيروس الكورونا بسرعة مهولة وغزا كل بلدان العالم تقريبا وتحول الى وباء قاتل فاضطرت الحكومات الى اعلان الحرب عليه. إنها حرب فرضت على البشرية ضد فيروس مستجد فهي تستوجب رؤية واضحة وخططا دقيقة وإمكانيات وافرة للقضاء على هذه الجائحة. إن تباطئ الحكومات في أخذ القرار والاستهانة بهذا الفيروس كانت له العواقب الوخيمة على صحّة المواطنين من حيث الارتفاع المهول لعدد الاصابات والوفيات في ظرف وجيز وعمّ الذعر والخوف في النفوس.
في تونس ومنذ الإعلان عن الإصابة الاولى بِداءِ الكورونا ثمّ الإعلان عن الحالة الثانية يوم 08 مارس 2020 دبّ الخوف في نفوس المواطنين، ومن الوهلة الأولى سارعوا إلى تخزين المواد الغذائية وأدوات النظافة استعدادا للحجر الصحّي الذاتي توقّيا للعدوى على غرار ما وقع في البلدان التي انتشر فيها الوباء.
وفي نفس الوقت انتشرت آفات أخرى (ارتفاع الأسعار والبيع المشروط واحتكار مادّتي “السميد والفرينة”) ونشطت السّوق السّوداء ولا أثر لحسيبٍ أو رقيب، وتساءل الناس: أين الدولة؟ ولا جواب.
وأمام اتّساع دائرة انتشار الكورونا في العالم وما خلفته من أضرار فادحة في الارواح وخاصة في الدول التي كنّا نظن أنها قادرة على التغلّب على هذا الوباء، لم نر من السّلط في بلادنا ما يكفي من الجدّية والإعداد للحرب على الفيروس كسائر الدول وضبط الخطط الدقيقة للمواجهة وتوفير المستلزمات الأساسية والموارد الضّرورية للتوقّي من انتشار الفيروس وإسعاف المصابين.
أطلق الأطبّاء والمختصّون في علوم الأوبئة صيحة فزع وحذّروا من انتشار العدوى وعدم السّيطرة على الوباء وحذّر حزب العمال في بياناته من الاستهتار والتهاون بصحة المواطنين وحياتهم ودعا السلط الى تحمل المسؤولية في الحفاظ على سلامة التونسيّين وقدم في هذا الغرض عدة مقترحات منها غلق الحدود وضرورة إعلان الحجر الصحّي العام والاجباري وتوخي الصرامة في تطبيقه، إخضاع القطاع الصحي بفرعيه العام والخاص للدولة وتعبئة الموارد المالية وذلك بتعليق تسديد الدين الخارجي لمدة سنة وفرض ضريبه على الشركات والمؤسسات الكبرى لتوفير المستلزمات الصحية ومعالجة الاصابات وتوسيع دائرة التحاليل… ففي يوم 21 مارس أعلنت الحكومة الحجر الصحّي العامّ مع جملة من الإجراءات لصالح رجال الاعمال والقطاع الخاص والفئات المفقرة وتأجيل تسديد قروض العملة والموظفين لدى البنوك لمدة معينه كما جاء في اليوم الموالي إعلان رئيس الجمهورية حالة الطوارئ وحظر الجولان مع بعض الاستثناءات .
غير أن الإجراء المتعلق بإسناد منح لفائدة الفئات المفقرة والحرفيّين وغيرهم من اصحاب المهن الصغرى وبقطع النظر عن نقائص هذا الإجراء وإيجابيّاته كان لتنفيذه الوقع السّيئ فسرعانما عمّت الفوضى ومورس العنف ورمى عرض الحائط بشروط الحجر الصحي والحفاظ على المسافة المقدّرة بين الاشخاص لتفادي العدوى. إن ما بثّته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام من مشاهد وتجمعات والفوضى امام مراكز البريد والمعتمديات والبلديات غير مجرى الاحداث من حرب على الكورونا الى معالجة اعتباطية وغير مدروسة لبعض جيوب الفقر.
جاءت قرارات الحكومة متأخرة، قرارات غير مدروسة بعد أن استفحل الدّاء وعم أغلب الجهات مسجلا ارتفاع عدد الإصابات الوفيات وكشفت لنا هذه الجائحة هشاشة قطاع الصحة العمومية من حيث الحالة المزرية للمستشفيات والنقص الفادح لوسائل الإحاطة والعلاج، كل ذلك كان نتيجة منطقيّة لاعتماد الحكومات المتعاقبة قبل الثورة وبعدها على سياسات التداين واتّباع منوال تنمويّ استهدف القطاع العام وفسح المجال للخوصصة فتردّت أوضاع الطبقات الشعبية من حيث تفشّي البطالة وتردّي الخدمات الاجتماعية والصحّة والتعليم والنقل.. سياسات عمّقت ارتهان البلاد إلى الصّناديق الناهبة والدوائر الاستعمارية
وعلى الرغم من خطورة الوضع وتنامي الصّراعات على النفوذ بين أطراف السّلطة، مازال الأمل قائما للحدّ من انتشار وباء الكورونا والقضاء عليها وذلك بفضل المجهودات الجبارة المبذولة من طرف إطارات وأعوان وعمّال قطاع الصحّة العمومية والتّضحيات الجسام للعمال في القطاعات الأساسية وروح التّضامن في المجتمع وحملات التطوع المدروس ويقظة المجتمع المدني ودور الأحزاب التقدمية والثورية في تقديم المقترحات والضغط على السلطة في اتّجاه تحمل مسؤولياتها تجاه البلاد والعباد من ناحية ودعم حملات الوقاية والالتزام بالحجر الصحّي والصّرامة في التنفيذ .
عبد الوهاب الطوايبي
2020-04-13
إلى الأعلى