مدنين المنسية، أعادتها الكورونا إلى الأذهان
مصائب قوم عند قوم فوائد. هذا ما يمكن قوله عن ولاية مدنين. فهي الولاية التي لا يحدث أن يزورها مسؤول أو وزير إلاّ و قد حلّت مصيبة بها أو اقتربت محطة انتخابية.
ومصيبة فيروس كوفيد-19 جعلت من الولاية محلّ أنظار وقلق من السلطات و الحكومة. وهذا ما جعل وزير الصحة يقرّر زيارتها وتفقّد المستشفى الجهوي بالجهة.
الجنوب الشرقي التونسي يعاني منذ تأسيس الجمهورية الأولى من سياسة التهميش وغض النظر عن كلّ ما ينقص تلك الرقعة الجغرافية المنسية والتي تعمدوا نسيانها لسبب أو لآخر.
مدنين ذات التضاريس الجغرافية الجبلية، السهلية والساحلية لم تغنم من التنمية سوى الرقم صفر على مدى عقود من الزمن. تلك المنطقة التي يتركز اقتصادها أساسا علي السياحة والفلاحة (فلاحة سقوية والزيتون، تربية وصيد الأسماك، تربية المواشي) وبعض الصناعات علي غرار (الأجر، الخزف، الرخام وزيت الزيتون). كل ذلك لم يكن كاف لقرابة 500.000 ساكن لتوفير حاجياتهم الغذائية وحوافز العيش الكريم، ما جعل من ظاهرة التهريب تستفحل في المنطقة، في ظل غياب الآليات الاقتصادية البديلة وتواتر الوعود الحكومية الواحدة تلو الأخرى دون تحقيق أي منها، على غرار المنطقة اللوجيستية للتبادل التجاري الحر، المشروع الصيني ومشروع السكة الحديدية.
زيارة وزير الصحة لمدنين لم تكن لتضيف شيئا. فهي كغيرها من الزيارات العقيمة التي تأتي فقط لإزاحة الحرج عمّن يوالون السيد الوزير أو السيد المسؤول في الجهة جراء ملاحقتهم من المواطنين بالسؤال عن غياب السلط في الجهة وعدم تمكينها من حصتها ولو من الزيارات التفقدية. فكانت النتيجة زيارة وليست بفجائية كالتي سبقتها منذ أشهر ليست ببعيدة من رئيس الحكومة السابقة يوسف الشاهد. وزير الصحة خرج بقرار وحيد لفائدة مدنين وبقية الولايات المجاورة لها ألا وهو وحدة تحليل متنقلة تابعة للمستشفى العسكري بتونس في الولاية. وتشمل معها كل من ولاية تطاوين وقبلي. أي مخبر متنقل لثلاث ولايات يقارب عدد سكانها مع بعض 900.000 ساكن. واعتبرت أحدها “جربة من ولاية مدنين” منطقة موبوءة منذ أيام. إضافة إلى أنّ ولاية مدنين لوحدها تحتوى على إصابة 63 إلى حدود هذه اللحظة.
وإن غاب عنها نصيبها من الاقتصاد الوطني والتنمية، أضف إليها البنية التحتية المهترئة والتي لم تتجدد من زمن بعيد.
ويأتي قطاع الصحة العمومي ليزيد من معاناة المواطن في هذه الربوع المنسية من الوطن وليجعل من الشيء الوحيد الذي يملكه وهو حياته علي المحك. فالمستشفى الجامعي بمدنين، هو مجرد اسم لا أكثر، لا يمتلك ادنى مقومات المستشفى الجامعي ويشهد نقصا حادا في أعوان الصحة والإطارات الطبية وشبه الطبية. فجاءت الكورونا لتكشف المزيد من النقائص والمعاناة داخل ولاية مدنين
قيس شنيتر
2020-04-14
إلى الأعلى