بعد تأجيل ديون 25 بلدا: هل تقتنع الحكومة؟؟
لا يختلف إثنان في تونس أن المديونية أصبحت تشكّل عبئا تقيلا على ميزانية الدولة وما تنفكّ تتحوّل إلى عائقٍ للتنمية بدلا من عنصرٍ للمساعدة والدعم.
ففي السنة الجارية لن يكون بمستطاع الميزانية تغطية المصاريف المبرمجة إلّا باللجوء إلى الاقتراض بما يزيد عن 11 ألف مليون دينار. وحتى على افتراض التوصّل إلى “تدبير” هذا المبلغ الضخم سيتواصل عجر الميزانية بنسبة تُعتبر عالية لا محالة. لكن لا شيء ولا أحد يضمن تحقيق هذا المبلغ خاصة في ظلّ الظروف الاقتصادية الجديدة الناجمة عن أزمة الكورونا. بالمقابل من ذلك، ستكون الميزانية العامة للدولة مطالبة بتسديد أكثر من 11 مليون دينار أيضا كخدمة دين. ما يعني أن ما يزيد عن خمُس الميزانية متأتٍّ دخلا من الديون وموجّه صرفا لسدادها.
فأن نرفع شعار التوقّف عن تسديد الديون مطلب أكثر من مشروع ومنطقيّ. والحقيقة أن مثل هذا القرار أصبح ضرورة ملحّة بالنظر للأزمة الجديدة، أزمة الوباء، التي جاءت لتزيد الأزمة العامّة التي تمرّ بها البلاد منذ سنواتٍ تعقيدا وحدَّة. وكان من المفروض لو كانت الحكومة وكامل منظومة الحكم، رئاسة وبرلمانا، تمتلك الحد الأدنى من الحسّ الوطني، لبادرت من جهتها قبل أن تطالب المعارضة بذلك بإطلاق حملة ديبلوماسية للضغط من أجل حمْل الجهات المانحة على القبول بالتنازل على الأقل عن جزء من الديون أو تأجيل سدادها – رغم أن الحل في إلغائها – لسنة أو سنتين مثلما فعلت الحكومة اللبنانية يوم 9 مارس الماضي ومثلما فعلت أيضا حكومة الارجنتين التي قرّرت ومن جانب واحد يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي تأجيل دفع ما يقارب عشرة مليارات دولار من الديون إلى العام المقبل، ومثلما توصّلت بورتوريكو إلى اتفاقٍ يقضي بخفض ديونها بمقدار 24 مليار دولار من أصل 35 ملياراً.
لقد بحّت حناجر القِوى التقدمية والديمقراطية في تونس مطالبة بإلغاء الديون أو على الأقل الديون الكريهة أو في أقل الأحوال تعليق سدادها هذه السنة، دون أن تلقى صدى لدى منظومة الحكم. على العكس من ذلك اندفعت حكومة الفخفاخ إلى الدخول في مفاوضات من أجل تجديد القرض الموسّع لسنة 2016 دون أدنى تقييم لنتائجه ولآثار سياسة التداين بصفة عامة؟
ومما يدعو إلى الحزن والضحك في الآن نفسه ردود رئيس الحكومة ووزير الاستثمار الخارجي سليم العزابي ووزير المالية لتبرير إمعانهم على الخضوع والرّضوخ – دون أن يُطلب منهم ذلك – لصمّ أذانهم على الدّعوات التي تجدّدت بمناسبة اندلاع أزمة الكورونا.
الغريب أيضا أن الحكومة لم تكترث للفاعلية التي أصبحت عليها الحركة العالمية للنضال ضد المديونية، ناهيك وأن حملاتٍ عالمية مثل حملة “اليوبيل لتخفيف أعباء الدين” العالمية ومقرها بريطانيا، وما يقارب عن 140 مجموعةَ ضغطٍ أخرى وجمعيات خيرية إلى جانب لجنة التنمية المستشارة لدى صندوق البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ما انفكّوا جميعهم يمارسون منذ مدة وإلى غاية عشيّة انعقاد قمة العشرين، ضغوطهم من أجل الإلغاء الفوري لأقساطٍ أو مستحقّات الديون على 69 دولة فقيرة، حتى نهاية العام، بما في ذلك ديون لدى جهات مالية خاصة. وتهدف هذه الحملات إلى تخفيف أعباءٍ ماليّة تصل إلى 25 مليار دولار مُثقلة على هذه الدول. كما تهدف إلى تمديد الإلغاء لسنتي 2020 و2021 بما سيخفّف عبء حوالي 50 مليار دولار. ومن ضمن الدول التي يمكن أن تنتفع بهذا الإجراء تونس التي تعتبر أفقر بلدان شمال إفريقيا.
لكن وكما سبق قوله فإنّ الحكومة التي لم تُخامرها فكرة القيام حتّى بمجرّد محاولةٍ مع المؤسسات المقرِضة بل لم تقدّم في ذلك حتى مجرد مطلب – “لعل وعسى”– مثلما صرح ممثل صندوق النقد الدولي في تونس، راحت تردّد نفس الخطاب القديم وتلهث وراء مزيد الاقتراض.
الأدهى والأمرّ أنها تمعِن في ذلك، في الوقت الذي لوّح صندوق النقد الدولي، بل وأعلنت ومجموعة العشرين عن إسقاط ديون 25 بلدٍ الأكثر فقرا في العالم (هذه القائمة لا تشمل تونس بالطبع) بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي عن إلغاء ديون فرنسا لبعض البلدان الافريقية.
إنها المفارقة العجيبة أن تُبدي طغم المال العالمية وأباطرة السّمسرة والمضاربات المالية ومصّاصي الدماء رحمةً وشفقةً بالشعوب أكثر ممّا تبديه حكومتنا تجاه شعبها. نقول هذا عسى أن تتخلّى الحكومة عن قناعاتها الأيديولوجية المعادية للشعب وتُراجع موقفها وأن تتلقّف الفرصة وتستغلّ الظرف لِتخفّف العبء عن الشعب واقتصاد البلاد.
جيلاني الهمامي
2020-04-16
إلى الأعلى