الرئيسية /
أقلام /
كورونا يدقّ باب الزّنزانة: أنفاس الأسرى الفلسطينيّين محبوسة!
كورونا يدقّ باب الزّنزانة: أنفاس الأسرى الفلسطينيّين محبوسة!
ماذا لو وصل فيروس «كورونا» إلى داخل السجون الإسرائيلية المكتظّة كعُلَب السّردين؟ إنّ مجرّد التفكير في إجابةٍ لهذا السؤال قد يقطع النَفَس!
… »أنا في غاية القلق عليك وعلى رفاقك، هل الطّقس باردٌ هناك؟ أعرف أنه ليس لديك إلا ثلاث بطانيّات، وقد قرأت في جريدة “آيرش نيوز” أن العديد منكم يعاني من رشحٍ مزمن. تدفّأْ وتدثِّرْ قدر ما تستطيع، يا ولدي. سأصلّي لكم جميعاً صلاة صغيرة…». لعلّ أكثر ما يُبْكي في هذه الرّسالة هو اعتراف والد الأسير الإيرلندي الرّاحل، بوببي ساندز، بقلّة الحيلة، إذ لم يملكْ إلّا وعداً لنجله ورفاقه في الأسْر بالصّلاة الصغيرة تلك. كان ذلك في الثّمانينات، يوم اشتدّ الجوع على بطون الأسرى الإيرلنديين في السجون البريطانية، قبل أن يموتوا جميعاً في أطول إضراب عن الطعام عرفته البشرية في حينه. لم يجْتحْ السّجون في ذلك الوقت وباءٌ من النوع الذي يجول العالم اليوم، كان «مجرّد» رشحٍ مُزمن.
غير أنّه، منذ بضعة أشهر، أخذ كائن مجهريّ بتيجانٍ على عاتقه مُعاقبة البشر: شوارع فارغة، مقاهٍ ومطاعم ومساحات تجاريّة أغلقت أبوابها، حركة القطارات والطّائرات في شللٍ شِبه كلّيٍّ. وبدا أن ذلك اللّون الذي تعكسه السّماء على لون مياه البحر صار إسمه الهدوء.. العجلة الاقتصادية لا تجِد من يستيقظ قبل طلوع الفجر ليحرّكها. أمّا داخل البيوت، فيحدث أن يتعرّف أفراد العائلات بعضهم إلى بعض من جديد، وكأنّهم يرى بعضهم بعضاً للمرّة الأولى. يحتار هؤلاء في كيفيّة تمضية الوقت. ورغم وسائل التّرفيه كافّة، يجد “المحْجورون” في منازلهم ضِيقاً لا يمكن التخلّص منه، فهذه المرّة الأولى التي يجرّدون فيها من حرية الحركة درءً للموت! لكــــــــــن !!!ثمّة من سبق البشرية إلى ذلك، يوم اختار الأسرى الفلسطينيّون بأنفسهم بذلّ حرّيتهم في سبيل أن يحيا شعبهم. «حُجِروا» في سجونٍ لا يملكون فيها حتّى رفاهيّة اليأس.
وصل الخبر وشاع، أصاب فيروس «كورونا» أربعة أسْرى في سجن «مجدو»، نُقل إليهم في خلال التحقيق، عن طريق محقّق إسرائيلي مُصابٍ، سرعان ما نفتْ سلطات الاحتلال الخبر، كما نفاه رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحرِّرين متواطئا، قدري أبو بكر، مكتفياً بتأكيد خبر عزل أربعة أسرى «احتياطاً» بسبب الاشتباه في إصابتهم، بعدما خالطوا سجّاناً ثبتت إصابته بالمرض. ورغم هذا النّفي، لِنتخيّلْ مع حالة القلق التي يعيشها أهالي الأسرى. فمجرّد تخيّل سيناريو ثبوت إصابة أسيرٍ واحدٍ فهذا أمرٌ يبعث على الرّعب؛ إذ إنّ احتمال إصابتهم يبقى قائماً لأن وكما هو معلوم بالإضافة إلى خطورة الوضع في البيئة السّجنية للمعتقلين ما قبل ظهور أزمة فيروس كورونا، ومن خلال علم الجميع بأوضاع المعتقلين والأسرى داخل السجون وعدم تناسبها مع المعايير الدّولية لحقوق المعتقلين والسّجناء، وفي ظل استمرار حملات الاعتقال اليوميّة والاكتظاظ الكبير في الغرف والأقسام وضِيق المساحة وقلّة التّهوئة والتشمّس، وعدم وجود الرّعاية الصحّية المناسبة نتيجة سياسية الإهمال الطبّي، ونقص في مواد التنظيف والمعقّمات غير الموجودة مسبقاً وحتى الآن، لا تقوم – قطعا- سلطات الاحتلال وإدارة السجون باتّخاذ أيّ إجراءات وتدابير وقائيّة لحماية المعتقلين والأسرى داخل السجون.
الكورونا، حجّة للقمع
ما لم يكنْ غريباً، هو استغلال سلطات الاحتلال للأزمة الصحّية المستجدّة، كحجّة إضافية لتعميق معاناة الأسرى الفلسطينيين؛ إذ اتّخذت مجموعة من الإجراءات الإضافيّة التي تنتهك حقوقهم، كمنعهم من زيارات أهاليهم ومُحاميهم لمدّة شهرين. كما إنّها استبدلت «الزيارات بالاتّصال مع الأهل والمحامين، ومنعت عقْدَ الجلسات والمُرافعات أمام محاكم الاحتلال والاكتفاء بالتّمديد والتّوقيف في مراكز التّحقيق بحضور المحامي، مع استمرار سياسة منع لقاء المحامين لبعض المعتقلين في ظلّ الظروف القاهرة.
إزاء ذلك كلّه، يجد أهالي الأسرى اليوم أنفسهم في قلقٍ مضاعف، فيما هم، كما والد ساندز، لا يملكون إلّا تلك «الصلاة الصغيرة». هكذا إذاً، فيما البشر يشعرون بالضّجر، ويحارون في وسائل رفاهيتهم داخل عزلتهم البيتيّة، يُصارع الأسرى في سجون الاحتلال كي لا يصاب أحدهم. هي المرّة الأولى التي يجدون فيها العالم خارج سجنهم وقد أضحى سجناً بشريًّا عملاقًا، يستوجب الانقطاع عنه. لم يكن هؤلاء ليتخيّلوا يوماً أنّ الزيارة الشهرية لذويهم القادمين من العالم الخارجي، والتي تمتدّ لمدّة 45 دقيقة شهرياًّ فقط، أو زيارة محامٍ لهم، قد تصبح تهديداً في يوم ما على حياتهم!
أكثر من 700 أسير مهدّدون
ويقبع في سجون الاحتلال نحو خمسة آلاف أسير، من بينهم مائة وثمانين طفلا وثلاثة وأربعين امرأة، منهنّ ستة عشرة أمًّا، ومن بين هؤلاء الأسرى أكثر من 700 أسير وأسيرة بحاجة إلى تدخّل طبيٍّ لمعاناتهم من إعاقات حركية وأمراض مزمنة وخطيرة، هم عرضة للموت في حال نُقِلت العدوى إليهم من قبل السّجانين والمحقّقين، في ظلّ اتّساع وسرعة تفشّي الفيروس في دولة الاحتلال، التي تكاد تفقد السيطرة على هذا الوباء.
ومن المؤكد أنها تستغلّ جائحة “كورونا” وانشغال المجتمعات والدّول بها، من أجل تنفيذ مخطّطاتها الإجرامية بحقّ الفلسطينيّين وفي مقدّمتهم الأسرى الذين هم الآن في خطرٍ كبير، وما قيامه بإلقاء العمّال الفلسطينيين بطريقة وحشيّة على الحواجز، بذريعة أنهم مشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، وإطلاق العنان للمستوطنين للاعتداء على الفلسطينيين وعمليات تجريف الأراضي وتوسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة، إلاّ دليل على هذه العقلية العنصرية الفاشيّة التي لن تتوانى عن القيام بأيّة جريمة بحقّ الفلسطينيّين.
رضا الجلولي
2020-04-18
إلى الأعلى