قبلي بين عنف الوباء وعنف الدولة
بلغ عدد المصابين بفيروس “الكورونا” إلى حدود يوم 17 أفريل 79 إصابة، وبذلك تحافظ الجهة على تصدّرها لعدد الإصابات مقارنة بعدد السكان الذين لا يتجاوز 156.900، وذلك بنسبة إصابة تقارب ال20%، أي أكثر بقليل من ثلاثة أضعاف النسبة الوطنية التي لا تتجاوز 6% . ومن المهم الإشارة إلى أن الحالة الوبائية في قبلي كانت معلومة منذ انطلاقتها في قرية “القلعة” (5كلم شمال دوز) من خلال عاملٍ بالخارج حامل للفيروس كان من المفروض أن يُحال مباشرة على الحجر الصحّي الإجباري، لكنه عاد لقريته لينقل العدوى لعائلته ومنها إلى جيرانه. وإلى حدود بداية هذا الأسبوع بقيت البؤرة منحصرة في “القلعة” و”دوز” قبل أن تمسّ العدوى أربع ممرّضين وعاملة نظافة بالمستشفى الجهوي بقبلي.
إنّ ما دفعنا لكتابة هذا المقال ليس وجود الوباء في حدّ ذاته، وليس للتنديد بتقصير النّاس وتهاونهم في الالتزام بالحجر الصحي الذاتي، بل للإشارة إلى تقصير الدولة، بل لنقل إجرامها في حقّ هذه الجهة التي لم تعرف من الدولة قديما وحديثا وتوّا إلاّ الإهمال وعدم الاعتبار أصلا، وهذا يشمل كل مناحي الحياة وجوانبها، من ذلك القطاع الصحي (موضوع حديثنا). فالقاصي والداني في الجهة يعرف حجم التقصير الذي يطال هذا القطاع لا من جهة بنيته الأساسية فحسب، بل من جهة شروطه البسيطة والأكثر بساطة، ففي مستشفى جهوي في قلب مركز الولاية أحيانا لا تجد دورة مياه مفتوحة وصالحة للاستعمال، وقد كنت شاهدا على ذلك لأكثر من مرّة، وتكون المكيّفات معطّلة في درجات حرارة استثنائية وبرودة استثنائية، علما وأن هذا “المستشفى” غرق في ماء الفيضانات الأخيرة منذ عامين من جهاته الأربعة وسقطت أجزاء كبيرة من جدران سوره. وبمناسبة الوباء الزاحف لا يحوز هذا المستشفى الجهوي على ما يتجاوز أصابع اليدين من أسِرّة الإنعاش (6 في قسم الإنعاش و3 في قسم القلب المسخَّر أخيرا للوباء)، وعدد سيارات الإسعاف لا يتجاوز هو الآخر عدد أصابع اليدين في كامل الولاية. كما أن التحاليل البيولوجية فقد كانت ترسل لصفاقس (260كم) ومنذ يومين أصبحت ترسل إلى تطاوين (233 كم).
أما حول التعاطي مع المصابين، وبعد طول صمتٍ تدخّلت السلط في الأسبوع الماضي لنقلهم إلى الحجر الصحّي الإلزامي في المنستير (قرابة 400 كم) وهو ما رفضه في البداية المُصابون وعائلاتهم، وهم محِقّون في ذلك، أَوَ لم يكن ممكنا استعمال المبيت الجامعي لمعهد الدراسات التكنولوجية بالجهة؟ أَوْ النزل الفارغة والمغلقة التي تزخر بها الجهة ومنطقة دوز تحديدا؟ ولمَا تمّ “إقناع” المصابين بالتحوّل إلى المنستير (لعلّ الشفاء يكون بها)، كانت المهزلة، فعوض سيّارات الإسعاف أو وسائل نقل لائقة بالبشر، حُمِلوا مساء في حافلة تعطّبت بعد تجاوز مدينة قبلي ببضع كيلومترات (في قرية ليماقس تحديدا)، وقد بقي الناس (المرضى) في العَراء حتّى وصول حافلة أخرى، يومها كان عدد المصابين أقلّ من 40، وها هو اليوم يتضاعف، والدّولة لا تحرّك ساكنا. ورغم تحرّك المجتمع المدني والسياسي بالعرائض واللّقاءات والاحتجاجات وطلب التدخّل إلاّ أن الأمور تتفاقم، والخوف كلّ الخوف أن يصبح الوضع الوبائي غير قابل للسيطرة وأن يتواصل التمدّد الأفقي ليشمل قُرى أخرى أو كلّ قرى الجهة.
إنّ أداء الدولة في الجهة أكثر من فاشل ولا أدلّ على ذلك من الصّعود الصّاروخي لعدد المصابين، فالدّولة ووزارة الصحة لم تتّخذ ما يلزم من إجراءات للحدّ من انتشار الوباء ولم توفّر فضاء للتّحليل إن لم يكن في الجهة يكون قريبا جدًّا منها وليس على بعد مئات الكيلومترات كما هو الحال اليوم، علما وأنّ الجهة لازالت تابعة إداريّا لولايات أخرى في عديد الخدمات والقطاعات (النقل، المحكمة العقارية…) بما لا زال يعزّز القناعة عند أبناء الجهة بكونها معاقبة ومُستثْناة. لقد كان ضروريّا على أبناء “القلعة” الموبوءة أن يخرجوا في مسيرة (وما يحمل ذلك من مخاطر الانتقال الأفقيّ للوباء)، حتى يتمّ مضاعفة عدد التحاليل اليوميّة من 40 إلى 100 وتتبجّح السلطة باعتبار ذلك مكسبا مهمًّا.
إنّ جهة قبلّي معنيّة بالمطالب الاستعجالية التي تهمّ كل الوطن، وبصفة مباشرة لا بُدّ من إلْزام السلطة بالجدّية وفرض الحجر الإلزامي والشّامل على الأحياء الموبوءة للتحكّم في انتشار المرض، وغير الموبوءة للتوقّي من الانتقال والعدوى، والتّعجيل ببعث فضاء صحي ميداني في دوز، والصرامة في الحجر الصحي للمصابين في فضاءات مهيّأة في الجهة (نزل…). وفي ما يهمّ الأوضاع الاجتماعية للمفقّرين في جهة ترتبط أساسا بالفلاحة وتحديدا بزراعة النخيل، فإن “القبلاوية” لازالت تعلوهم الغصة والقهر بعد موسمٍ فلاحي فاشل على مختلف الأصعدة، وتزداد غصّتهم حين يرون “الدّقلة” تُباع في الأسواق المحلّية ب14دينار للكغ بعد أن نُهِبت منهم بـ3 أو 4 دنانير للكغ الواحد على أقصى حدّ.
علي الجلولي
2020-04-18
إلى الأعلى