مشاهدة المقالة
أضحى موضوع الفساد المالي والإداري خلال السّنوات الأخيرة ببلادنا الملفّ الأكثر حضورا في السّاحتين الإعلامية والسياسية وحتّى الشعبية.
ومن المعلوم أنّ هذا الحضور الكبير لم يكن اعتباطيّا ولا عفويّا، ذلك أنّ مبرّراته القويّة ارتبطت باتسّاع مجالات هذه الآفة وتسلّلها المتسارع إلى مجمل المجالات الاقتصادية والسياسية والقيمية. الأمر الذي جعل هذه الأفة ليس فقط واحدة من معوّقات النموّ الاقتصادي وإنّما جعلها عنصرا إضافيّا لتعفين الحياة السياسية وإفساد الساحة الإعلامية والقيم العامّة المجتمعية.
والملفت للانتباه أنّ تطوّر تلك الآفة واستقرارها القوّي في مجمل مفاصل الدّولة قد تمّ تحت جعجعة حرب كاذبة من رجالات الحكم. فالسيّد “الحبيب الصّيد” لم يجد حرجا في الأيام الأخيرة من حكمه بأن يقرّ علنا بصعوبة المقاومة قائلا “مقاومة الإرهاب أسهل من محاربة الفساد”!!!
أمّا خلفه “يوسف الشاهد” وتحديدا منذ شهر ماي 2016 تحت ضغط احتجاجات “الكامور” والخوف من اتسّاع الحريق الاجتماعي وضمن حروب الأخوة الأعداء، فقد ركب صهوة جواد مقاومة الفساد وأطلق حربه الانتقامية ضدّ بعض خصومه وسط ضجيج إعلامي واسع نجح في بداياته في تحقيق بعض المغانم السياسية التي سرعان ما تبخّرت وانقلبت إلى نتائج عكسية.
فقائد الحرب المزعومة افتضح أمره كما لم يحدث مع سابقيه وأصبح اسمه لصيقا بالفساد والمفسدين وتأكدّ على نطاق واسع ليس فقط وقوف “يوسف الشاهد” مع الفساد ولوبيات الهدر وإنما احتلاله رأس الحربة في إنعاش هذه الآفة وتوظيفها دون حياء لضمان أرباح سياسية وانتخابية لاحقا.
والحقيقة أنّ رئيس الحكومة (الشاهد) نجح في تعميق الطّابع المافيوزي للدّولة بشكل غير مسبوق. وفتح الساحة السياسية في تونس أثناء الانتخابات الرئاسية والتشريعية على فظاعات وجرائم مالية نزلت بأثقالها في صياغة المشهد السياسي الجديد ممّا أعطى انطباعا باستمرار هذه الآفة في التّغول والتمدّد تحت الحكومة الجديدة رغم التحاق قوى جديدة كانت حتّى وقت قريب في صفوف َحاملي مقاومة الفساد (التيار الديمقراطي خاصة…).
والحقيقة أنّ الكثير من المؤشرات الحاصلة تذهب نحو تعزيز ذاك الانطباع. فالسيّد “الفخفاخ” الذي رفع الصّوت عاليا متوعدا بالمحاسبة للجميع بقوله “حتّى واحد ما فوق رأسه ريشة” لم يحرك ساكنا أمام فضائح مخزية عرفتها البلاد، شأنه في ذلك شأن باقي مكونّات الحكومة بمن فيهم الوافدين من وسط حاملي محاربة الفساد!!!!
والأنكى من ذاك الصّمت أنّ بعض الظالمين في جرائم هذه الأيام هم من أعضاء الحكومة نفسها مثل وزير الاقتصاد ونظيره في الحكومة السيد “أنور معروف”.
فالرّيشة التي لوّح بها رئيس الحكومة سرعان ما سقطت في دائرة البروباغندا الممجوجة وانقلبت إلى ضوء أخضر للتلاعب والعبث.
عمار عمروسية