الاستدارة المخيفة لرعاية الفساد والمفسدين
لم تقدّر حكومة السيّد “الياس الفخفاخ” على الإمساك طويلا بورقة اللّعب الدّماغوجي بمسألة مقاومة الفساد وإنفاذ سلطة القانون على الجميع.
فالأسابيع القليلة منذ نيلها ثقة البرلمان وما رافقها من تواتر فضائح الهدر والفساد من رجالات الحكم المتنفّذين في مختلف مؤسّسات الدّولة والحكم عزّز مساحات الرّيبة والشكّ في مصداقية شعارات منظومة الحكم فيما يتعلّق بمحاربة الفساد وزاد من اتّساع الهوّة القائمة أصلا بين الدّولة والشعب.
فحكومة “الوضوح” و”الشفافية” وجميع ما رافق ولادتها العسيرة من مجمّلات التّمويه والمغالطة سرعان ما فتحت فصول مراكمة الفضائح الثقيلة لبعض أعضاء الحكومة. فالبداية مثلما هو معلوم، كانت بالسيد” أنور معروف “وحكاية ابنته والسيّارة الحكومية والمنزل الوظيفي وحيازته دون موجب قانوني مرورا إلى كلّ من وزير الصّناعة وفضيحة الكمامات على ملكية عضو برلماني إلى وزير الشباب والرياضة وتدّخله الفجّ والمباغت تحت تأثير ابنه لحلّ الجامعة التونسية للألعاب الإلكترونية وإلحاقها القسري بالجامعة التونسية لكرة القدم. دون أن ننسى ضلوع بعض وجهاء السلطة (نوّاب برلمان، معتمدين، عمد…) في أنشطة احتكارية وحتّى لصوصية طالت قوت الشعب في هذه الأوضاع العصبية.
فهل بعد كلّ هذا وغيره مازال مشروعية للحديث عن تجاوزات؟
وهل بعد إهمال المحاسبة في أغلب ما ذكرنا وجاهة للحديث عن علوية القانون والمساواة أمامه؟
الحقيقة الفساد أصبح أسلوب حكم ولازمة استمرار سلطة أخذت على عاتقها إنعاش آفة الفساد وحماية الظّالعين فيه وخصوصا الرؤوس الكبيرة.
ولعلّ إطلالة البارحة لرئيس الحكومة أفضل تأكيد لقولنا. فالسيد “الفخفاخ” لم يَقْوَ على شدّ أعصابه وخرج عن هدوء الحوار بمجرد طرح قضيّة الكمّامات وسقط بسرعة في الاستنجاد بالقاموس اللّغوي لسنوات الجمر والإسناد بقوله “يصطادون في المياه العكرة” في إشارة منه إلى الأصوات المنتقدة لتلك الفضيحة.
أفظع من ذلك فهو لا يرى جدوى من نقاش مثل هذه المواضيع قائلا “حكايات فارغة”. بل نصّب نفسه ليس فقط مدافعا عن المفسدين. بل شريكا مباشرا معهم بالقول “في بالي بالموضوع والأمر عادي وانا كنت نعمل كيفو”!!!!!
فالسيّد “الفخفاخ” وضع نفسه وحكومتهم فوق القانون وجعل من التفويض البرلماني مطيّة للاستحواذ على كلّ السلطات التشريعية وحتى القضائية من خلال تهكمّه على المحكمة الإدارية. والحقيقة أنّ ذاك الظهور يمثّل انعطافة خطيرة في قضيّة الفساد وإنّما لمجمل العمل الحكومي الآن ومستقبلا. فالمخاطر من المنطلقات السيّاسيّة التي عرضها “الفخفاخ” البارحة لا تقتصر على الوضع الاستثنائي لجائحة كورونا وإنما تتجاوزها إلى مرحلة ما بعد الجائحة.
عمار عمروسية
2020-04-21
إلى الأعلى