رصدت عدّة منظّمات وهيئات بما في ذلك التابعة للدولة تفشي ظاهرة العنف ضد النساء وتطوره خلال الحجر الصحي العام. حيث ارتفع نسق الاعتداء على النساء ليصل إلى أرقام مفزعة. وتتحدث عدة مصادر عن ارتفاع الجرائم العنيفة ضد النساء إلى 7 مرات على ما كانت عليه قبل الحجر الصحي العام في بلادنا. وتمثلت تلك الجرائم في عدة نواحي أبرزها الاعتداءات الجنسية والعنف والإهانة.
ومن أخطر تداعيات تلك الجرائم الإفلات من العقاب من ناحية، وعدم تمكّن عدد مهم من النساء من اللجوء إلى القضاء. ويعود سبب عدم قدرة النساء على التبليغ وتقديم الشكايات والالتجاء إلى المؤسسات بمختلف اختصاصاتها في الموضوع إلى الحجر الصحي العام. في هذا الإطار وجّهت عدة منظمات وجمعيات تونسية ودولية إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء “يوسف بوزاخر” طلبا للتدخل السريع لضمان وصول النساء ضحايا العنف إلى العدالة خلال فترة الحجر الصحي. كما قدمت جملة من الاقتراحات في هذا الصّدد.
نص الطلب
رسالة منظمات المجتمع المدني للمجلس الأعلى للقضاء لضمان وصول النساء للعدالة
تونس في 19 أفريل 2020
السيد المحترم يوسف بوزاخر رئيس المجلس الأعلى للقضاء،
السيدات والسادة عضوات وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء المحترمين،
الموضـــــوع:
طلب للتدخل السريع لضمان وصول النساء وخاصة النساء ضحايا العنف للعدالة خلال فترة الحجر الصحي وفي سياق محاربة وباء “الكورونا” باعتبار المجلس المؤسسة الدستورية التي تضمن حسن سير القضاء طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها والقانون عدد 34 لسنة 2016 المؤِرخ في 28 أفريل 2016.
في إطار مجابهة وباء “الكورونا”، تقرّر، منذ 23 مارس 2020 مواصلة تأجيل جميع جلسات القضايا المدنية بما في ذلك الجلسات الصلحية وتأمين استمرار العمل بالنسبة للنيابة العمومية وقضاء التحقيق واقتصار النظر في المادة الجزائية على قضايا الموقوفين في المادة وأعمال الكتابة المرتبطة بذلك في إطار منظومة الاستمرار. وقد تزامنت هذه الإجراءات مع ارتفاع نسبة العنف المسلط على النساء خلال فترة الحجر الصحي بشكل عطّل نفاذ النساء للعدالة ممّا يمسّ من حقوقهن الدستوريّة والإنسانية ويرفع نسبة المخاطر المحدقة بهنّ ويهدّد سلامتهن الجسدية والمعنوية.
إن تفاقم العنف ضد النساء، بشهادة المؤسّسات الرسمية، وحسبما تؤكده مرافقتنا اليومية لضحاياه، يعود أساسا إلى استغلال المعتدين لظرف الحجر الصحّي حيث تقلّ كثيرا قدرة الضحايا على التنقل سواء لقلة وسائل النقل والالتزام بالحظر أو لعدم توفّر الأمان اللازم لهن في الفضاء العام، وهو ما كشفت عنه الاعتداءات التي هزّت الرأي العام مؤخرا. بل أنّنا نجد المعتدين، في حالات كثيرة، يستفيدون من عزل الضحية بوضعها تحت الرقابة الدائمة بما يعسّر استنجادها وطلب المساعدة والاتصال بالأرقام المتوفرة.
علاوة على ذلك فقد استفاد المعتدون من تعطّل السير العادي لمرفق القضاء، خاصة فيما يتعلق بقضايا النفقة والحضانة والطلاق ومؤسّسة قضاء الأسرة المختصّة دون غيرها باتخاذ قرارات الحماية لفائدة ضحايا العنف. وممّا زاد الطين بلّة بطء النيابة العمومية وإحجامها في كثير من الأحيان عن اتخاذ وسائل الحماية على معنى الفصل 26 من القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالعنف ضد المرأة.
سيدي رئيس المجلس، سيداتي سادتي الأعضاء،
لقد أدّت هذه الوضعية إلى انتشار الاعتقاد في غياب المؤسّسات وعدم نجاعة القانون وخاصة القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة ممّا أدّى إلى تفشّي الإحساس بإمكانية الإفلات من العقاب.
علاوة على ذلك، وبالنظر إلى إجراءات الحجر الصحي وحظر التجوال، فقد سجلنا ووثّقنا خلال المدة المنقضية احتداد طبيعة العنف المسلط على النساء باختلاف أنواعه حيث عبّرت عديد الضحايا عن تعرّضهنّ لتهديدات جدّية بالقتل وبالاحتجاز في محل الزوجية. وفي المقابل، فإنّ الضحايا عجزن عن الاتصال بالسلطات المختصة لحمايتهن، أو، جوبهن بتهاون غير مبرّر في الاستجابة لاستغاثتهن. بل وصل الأمر إلى حدّ تعرضهن لعنف آخر عندما يرفض أعوان الأمن نجدتهن حتى أنّ بعض الأعوان أعطى لنفسه صلاحية قبول أو رفض الشكاوى حسب تقديره الشخصي لخطورة العنف.
علاوة على ذلك، واستغلالا لتعطّل السير العادي للقضاء، وتعلّلا بالظرف الاقتصادي، سجلنا رفض المحكومين دفع معين النفقة ممّا يجعل النساء وأطفالهن يعانين أيضا من تفاقم آفة الحرمان والخصاصة، خاصّة وأنّهم أضحين غير قادرات إمّا على المطالبة بالنفقة رغم صبغتها المعيشية الملحّة أو على تنفيذ أحكام النفقة أو استصدار أحكام من أجل إهمال العيال ممّا يجعل آلاف النساء وأطفالهن في حالة من الخصاصة والحرمان.
سيدي رئيس المجلس، سيداتي سادتي،
أمام ما يحدث، نتوجه إليكم اليوم قصد التدخل بالإصلاحات المستعجلة والضرورية لتلافي هذا الوضع الخطير وتنظيم العمل بالمحاكم بما يضمن وصول النساء للعدالة خاصة وذلك من خلال:
1- الحرص على تمكين ضحايا العنف من إيداع شكاياتهن مباشرة لدى النيابة العمومية دون الحاجة إلى المرور ضرورة بالوحدات المختصة، كما جرى عليه العمل.
2- دعوة السادة المساعدين المكلفين بقضايا العنف ضد المرأة والطفل إلى تفعيل أحكام الفصل 26 من القانون عدد 58 الذي يمكنهم من الإذن بأحد التدابير الحمائية المستعجلة التي من شأنها ضمان الأمن والسلامة الجسدية للمرأة المعنّفة والأطفال المقيمين معها وخاصة بالإذن لأعوان الوحدات المختصة بالتنقل الآلي في كل حالات التبليغ عن العنف لنجدة الضحية وحمايتها درءا للخطر ولإمكانية تفاقم العنف ونقلها للمستشفى لتلقي العلاج وبصورة ملحة أيضا الإذن بإبعاد المعتدي من محل الزوجية إذ ليس من المعقول المماطلة في إبعاد المعتدين كإجراء احترازي وحمائي هام بالرّغم ممّا يشكّلونه من خطر جسيم على الضحايا وأطفالهن واستسهال نقل هؤلاء إلى مآو غير متوفرة بالعدد الكافي وفي كل مناطق الجمهورية مع خطورة الوضع الصحي وإمكانيات انتشار الوباء.
3- إيجاد آلية تمكن النساء والشهود بمن فيهم من عاين أو بلغ إلى علمه وجود حالة من العنف ومنها منظمات المجتمع المدني من الإشعار والتبليغ لدى وكالة الجمهورية بواسطة وسائل الاتصال عن بعد (البريد الإلكتروني، الإرساليات النصية، الهاتف وغيرها) وذلك باعتبار صعوبة التنقل حاليا لضحايا العنف.
4- الاستئناف العاجل لعمل قضاة الأسرة لتفعيل منطوق الفصول30 إلى 38 من القانون عدد 58 للنظر في مطالب الحماية المستعجلة بما فيها النفقة لصبغتها المعاشية وتأكدّها.
5- تفعيل الطابع الاستعجالي في قضايا إهمال العيال.
6- اعتبار تتبع أعوان الشرطة بمختلف الأسلاك ممن يرفضون أو يماطلون في إنجاد ضحايا العنف وقبول شكاياتهن من المسائل المستعجلة التي تقوم النيابة العمومية بالتتبع والبحث في شأنها وتطبيق الفصل 25 من القانون عدد 58 سنة 2017 عند التهاون في قبول الشكاوى أو في اتخاذ التدابير الحمائية المستعجلة.
سيدي الرئيس، سيداتي سادتي أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الموقّرين،
إنّ أملنا عظيم في أنّكم ستعملون على تلافي كلّ الهنات المذكورة في التعامل الأمني والقضائي مع ظاهرة العنف المسلط على النساء وستعملون على تيسير اعتماد الإجراءات العاجلة وتضمينها بمذكرة العمل الجديدة التي ستنظم سير العمل داخل المحاكم بموجب التمديد في فترة الحجر الصحي لما بعد 20 افريل 2020.
نرفع هذه المطالب وكلنا أمل في أن تزول الأزمة عن بلادنا بأخف الأضرار حتى نستأنف حياة عادية بأقل عنف وأقل خوف للنساء ولعله من الوجيه بعودة الحياة الطبيعية أن تبادروا بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني إلى تنظيم مؤتمر وطني حول أفضل السبل في تناول العدالة لقضايا العنف وحسن إنفاذ القانون عدد 58 لسنة 2017.
نرجو أن تجد مطالبنا صدى لديكم وأن تساهموا في إطار صلاحياتكم في حماية حقوق النساء ضحايا العنف وضمان سلامتهن وكرامتهن وحسن تطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 ونحن على ذمتكم لتنظيم لقاء في أول مناسبة للبحث في مختلف هذه النقاط.
تفضّلوا، سيدي الرئيس والسيدات والسادة عضوات وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء بقبول فائق عبارات التقدير.
الجمعيات والمنظمات الموقعة:
• الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات
• الاتحاد العام التونسي للشغل
• جمعية بيتي
• الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
• النقابة الوطنية للصحفيين
• الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية
• المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
• جمعية المفكرة القانونية- تونس
• جمعية يقظة
• جمعية توحيدة بالشيخ
• رابطة الناخبات التونسيات
• اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس
• الشبكة الأورومتوسطية للحقوق
• الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بتونس