عمار عمروسية
مع كلّ يوم جديد تحصّن أمريكا موقعها في احتلال صدارة الدّول الأكثر تضرّرا من جائحة كورونا. فسيّدة النظام العالمي منذ عقود، حطّمت جميع الأرقام القياسيّة في عدد المصابين (أكثر من 800 ألف) والوفيات (حوالي 46 ألف)، علما وأنّ جرد الحساب مازال مفتوحا.
فالقوّة العظمى التي قيل كثيرا أنّها لا تُقْهر خارتْ جميع قواها وبدتْ مُنهكة وعلى مشارف العجز، الأمر الذي جعل أحد المفكّرين التّقدميّين يورد في أحد حواراته مؤخرا “الدّولة العظيمة تسقط مثل الكتلة الكبيرة إلى المجهول…. إنّها في الطّريق إلى المستنقع”.
تدهور اجتماعي وتأزّم اقتصادي حادّين
والحقيقة أنّ هذا التّقهقر لا يقتصر على هول الفجيعة الإنسانية، وإنّما يطال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. فالرّمانة انفجرت وظهرت كلّ عيوبها. ذلك أنّ السّوق المالية اهتزّت كما لم يحدث منذ عقودٍ (تراجع قيمة الدولار، خسائر فادحة في أهمّ البورصات، تراجع تاريخيّ في سعر برميل النفط الخام خاصة بمنطقة تكساس…)
أمّا على المستوى الاجتماعي، فمظاهر التّفاوت الطبقيّ تزداد حدّة وقسوة، ذلك أنّ معدّل البطالة المقدّر بـ3,5٪ قبل الجائحة سجّل قفزة هائلة قاربت 13٪ !!! من مجموع السكان.
فالبطالة والفقر يعرفان مستويات تُعيد إلى الأذهان في بلد العم “سام” وقائع الألم ومأساة الحرب العالمية الثانية. وهو أمر يطال مجمل الولايات الأمريكية بقطع النظر عن الانتماء السّياسي لحكّام تلك الولايات، على عكس ما قد يتبادر إلى الأذهان.
فالـ”الميسيبي” تحت إدارة الجمهوري غارقة في الفقر إلى حدود تقارب 20٪ 19,8)) و”نيويورك” الديمقراطية وصلت حدّ الـ17,2.
رغم هول التقهقر، يواصل الشعبوي ترامب عنجهيّته
أمام هذا التردّي الخطير يواصل الرئيس الأمريكي سياسة الإنكار والهروب إلى الأمام.
فهو ينكر دوره في ثِقل فاتورة تداعيات كورونا على شعبه ويرميها حينا على “الصّين” وحينا آخر على حكّام الولايات الدّيموقراطيين.
وبالتزامن مع التفصّي من فشله الذّريع في إدارة هذه الأزمة، يُمْعن في نظرته الإجراميّة القائمة على تغليب المصالح الاقتصادية على الجانب الإنساني.
فإدارة العجلة الاقتصادية عند “ترامب” هي الهدف الأولّ حتّى في ذروة سقوط الأموات بالآلاف في اليوم الواحد. وقد وصل به الأمر حدّ إهانة كلّ المجاميع العلمية وقطع الصّلة مع كبير الأطبّاء المقرّب من حزبه ومن إدارته. والأفظع من ذلك، فقد ساند الجماعات اليمينيّة المتطرّفة في احتجاجاتها لرفع الحجْر قبل توّفر الشروط الدنيا، ووصل الأمر بالرئيس إلى دعوة شعبه إلى “النزول إلى السّاحات العامّة لتحريرها من حكم الدّيموقراطيين”!!!!
وبالفعل فقد عرفت ولايات الحكم الدّيموقراطي (واشنطن، نيويورك، كاليفورنيا…) خروج الملثّمين المسلّحين من تنظيمات أقصى اليمين إلى الشوارع والسّاحات لفرض رفع الحجر الصّحي.
واليوم، فقط أعلن ترامب بزهْوٍ كبير أنّ 20 ولاية في اللّمسات الأخيرة لإدارة دواليب الاقتصاد. وأضاف “اليوم 40٪ من أمريكا وقريبا نستكمل الدّورة الاقتصادية لأمريكا العظمى”.
ومن الواضح جدّا أن لا شيء في حسابات “ترامب اليوم سوى إعداد شروط فوزه بولاية ثانية في انتخابات نوفمبر القادم حتّى وإن كان الثّمن مزيد سقوط عشرات الآلاف من شعبه أو خوض حروب خارجيّة جائرة وظالمة ضدّ شعوب دول أجنبية مثل إيران أو فنزويلا.