تُعرف معتمدية سيدي عيش الواقعة بقفصة الشّمالية بخصوبة تُربتها وشساعة مراعيها وإنتاجها لِأجْود أنواع زيت الزيتون وأشجار اللّوز والفستق رغم جفاف مناخها، ولعلّ هذا ما يفسّر استغلال فلّاحي المنطقة للجزء الأكبر من أراضيهم كمراعي والاهتمام أكثر بتربية الماشية وزراعة الحبوب كالقمح والشعير إن “تصدّقت” السّماء بالأمطار.
لكن وفي السّنوات الأخيرة شهدت المنطقة وجلّ عماداتها غزو منقطع النظير للشّركات الفلاحية المحلّية والأجنبية الخاصة، مستغلّة في ذلك إهمال الدّولة لفلاحي الجهة حيث اقتصر حضورها في بعض وصولات العلف إن توفّر، وحتى مركز تجميع الحبوب الوحيد الذي يبيعونه محاصيلهم من قمح وشعير فهو متواجد بمنطقة لالة القصر بقفصة الجنوبية. و لقلّة الإمكانيات لدى مُتساكني المنطقة لاستغلال المساحات الشاسعة لأراضيهم قبلوا العروض التي وجهت لهم لبيع أو كراء تلك الأراضي واعتبروها بمثابة حلّا عمليّا ينقذ أبناءهم المتمدرسين عوضا عن اِمْتلاك أراضي لا تُنبت إلّا التين الشوكي .
لقد فوّت الفلاحون في أراضيهم وكانت خسارتهم أكبر يوم خسروا قطعان أغنامهم بعد أن تحولت الاف الهكتارات من أراضيهم من مراعٍ جماعية إلى مساحات مزروعة أشجار مثمرة على ملك الشركات الخاصة وتحوّلوا من ملّاكين إلى عمّال بأجر في ما كانت بالأمس أراضيهم ومراعيهم.
اليوم والعالم يعيش على وقع الفيروس المستجد ظلت الحياة الفلاحية بمنطقة سيدي عيش نشيطة ولم تعرف لا التباعد الاجتماعي ولا حظر الجولان. فالعاملات كما دأبْن كلّ صباح يتجمّعن من الساعة السّادسة صباحا على حافة الطريق ليتمّ تجميعهنّ ونقلهنّ في صناديق السّيارات التّابعة للشركات ويوزّعن وفق مجموعات تتكفّل كل مجموعة بعملها في مُداواة الأشجار وفي تجميع البطاطا والطماطم لتحميلها في الشاحنات التي بدورها تنقلها إلى مصانع الوطن القبلي والعاصمة. وعاملات أخريات ينزعن من أشجار الخوخ بعض من ثمارها لتمكين باقي غلّتها من النّمو وتحصيل ثمار أكثر جودة، فيما يقمن أُخْريات بإزالة الأغطية البلاستيكية من على المساحات المزروعة خيار صيفي لينتهي دوامهم على الساعة الثالثة بعد الزّوال ليعدن إلى بيوتهن بأجرة لا تتجاوز الـ12دينار.
لقد ضاعت منهم الأرض وهم الآن يكدحون من أجل لقمة العيش. سيدي يعيش، منطقة منسيّة ومهمّشة والإنسان فيها حيّا لكنه تحت سقف العيش.
عزيزة الأطرش