عمار عمروسية
أفصحت حكومة السيّد “الفخفاخ” صبيحة 29 أفريل عن مضمون خطّة الحجر الصحي الموجّه ضمن ندوة صحفية ثقيلة تجاوزت مدّتها الزمنية 120دقيقة تناوب فيها المتدخلون على المصدح بسيل من الإجراءات يصعب على الجزء الأكبر من المتابعين استيعابها ممّا خلّف أسئلة كثيرة حول طبيعة بعض الإجراءات وخصوصا تنزيلها على أرض الواقع.
فالخطّة في مجملها ثمرة عمل مكتبي بعيد عن واقع البلاد وإمكانيات التطبيق الفعلي، إضافة إلى غلبة الدّوافع الاقتصادية والسياسيّة عن البعد الصحي والإنساني.
فالجميع يعلم أنّ إقرار الحجر الشامل أو رفعه التّدريجي ليس بالأمر الاعتباطي والإرادي وإنما هو ثمرة تقييم موضوعي للحالة الوبائية بالبلاد إضافة إلى توفّر جملة من الشروط الدنيا لهكذ إجراء.
والحقيقة أن لاشيء موضوعي وملموس قدّمته النّدوة.
فتقييم المرحلة الماضية مفعم بسطحية مفجعة يغلب عليها المغالطة والمنطق التبريري.
فالعنصر الوحيد وفق ما قُدّم تقريبا يدور حول ضعف أعداد المصابين وعدد الوفيات قياسا بأوروبا وأمريكا الخ…
والحديث عن هذا الأمر بصفة مجانبة عن أسبابه الكثيرة وتسجيله في دفتر النجاحات الحكومية والاستثناء التّونسي يناقض جملة وتفصيلا الوقائع المعروفة على نطاق واسع.
فالقارّة الإفريقية بأكملها والكثير من بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية تشترك مع تونس في ضعف الخسائر البشرية. بل نجد دولا كثيرة تمزّقها النّزاعات والحروب سجلّت أرقامها أفضل ممّا هو لدينا (جنوب السودان، موريتانيا، الأردن، اليمن….).
والأهم من كلّ ذلك، القفز فوق الشروط الضرورية للدّخول في طور الحجر الصّحي والسّقوط في العموميات بل المغالطة في تقديم الأمور.
فالخروج من الحجر الشامل إلى الحجر الموّجه ليس اكتشافا تونسيّا. فأغلب بلدان العالم مرّت أو بصدد الانتقال إليه ضمن ضوابط محدّدة علميّا يمكن حوصلتها في نقاط ثلاث هي:
أ- التّاكدّ من بلوغ الذروة والوقوف على مؤشرات ثابتة لانحسار آثار هذه الجائحة.
ب- القيام بحملات تحاليل مخبرية وسريعة على نطاق واسع لحصر بؤر الوباء وعزل الأشخاص المرضى.
ج-توفير احتياطي ضخم من الكمامات ومواد التعقيم.فالوقائع كلّها تؤكدّ ان لا شيء من هذه المسائل قد تمّ إعداده.
أفظع من ذلك فالسيّد وزير الصحة “المكي” ممعن في خيار إجراء التّحاليل ألموّجّهة والضّغط المستمرّ على أعداد المنتفعين بها في تناقض فاضح مع السائد علميّا وتضارب صريح مع توصيّات المنّظمة العالميّة للصحة.
أمّا الكمامات وندرتها في الأسواق حتّى دون النّظر إلى أسعارها المشطة فالسيّد “عبد اللطيف المكي”وجد الجرأة لتبرئة ساحة الحكومة من شبه غيابها ملقيا المسؤوليّة على عاتق الجدل حول الفساد فيما عرف بفضيحة الكمامات.
إنّ مجمل الخطّة الحكوميّة عبارة عن قفزة في المجهول المحفوف بالمخاطر وإمكانية الانتكاسة، دوافعها أوّلا وقبل كلّ شيء تحريك العجلة الاقتصادية حتّى وإن كان على حياة التونسيات والتونسيين.