عمار عمروسية
يبدو أنّ منظومة الحكم الحاليّة في طريقها إلى تحقيق إنجازها الأبرز المتمثل في تسارع انفراط عقدها ودخول أهمّ مراكز نفوذها في طور كسر العظام وتصفية الحسابات فيما بينها بطرق وأساليب خشنة وهابطة.
فالمؤشرات القادمة في الأيام الأخيرة من “قصر قرطاج” و”باردو” و”القصبة” ترسّخ القناعة المعلنة أعلاه. فشركاء الحكم منذ البداية يجلسون على رمال ساخنة ومتّحركة ضمن حسابات متنافرة وأحيانا متناقضة.
وحيثيات إسقاط حكومة “الحبيب الجملي” والمرور إلى ماسميّ حكومة الرئيس واختيار الغرابة للسيّد “الياس الفخفاخ “ومشاورات نيل الثّقةالخ… جميع ذلك لم يكن سوى حلقة من سلسلة طويلة قائمة أولا وقبل كل شيئ على تدوير الزوايا بعقلية منفعية انتهازية هدفها الأهمّ قطع الطّريق أمام الانتخابات المبّكرة وتأمين مغانم الحكم ومنافعه.
بعبارة أوضح ففتائل أزمة أركان الحكم قديمة وبعضها يعود إلى ماقبل نتائج الانتخابات وفي معارك الأيّام الأولى القانونيّة والدّستوريّة حول صلوحيّات هذا الطرف أوذاك.
فمراكز الحكم الثلاث (رئاسة، حكومة، برلمان) مارست سياسة تقليم الأظافر كما يقال وعضّ الأصابع وفق مصالح مرسومة
مسبقا فيها المعلن والمعروف وفيها الخفيّ والمجهول.
الكلّ يدير حربه طورا بوجوه مكشوفة وأهداف معلنة وطورا آخر بشخوص ولوبيات متنكرة ليس فقط ضمن معهود الغرف المظلمة وإنّما غياهب الأنفاق والسّراديب الحالكة.
فما يحدث اليوم هو خطوة كبيرة نحو مزيد تعفين الأزمة السياسية وفتحها على سياقات خطيرة على البلاد والشعب في ظلّ أوضاع اقتصاديّة غير مسبوقة وتردّي اجتماعي كارثي.
فالحياة علّمتنا أنّ الخاسر الأكبر من أزمات منظومة الحكم هو الجماهير الواسعة من بنات وأبناء شعبنا في الأرياف والمدن على حدّ السّواء وخصوصا في مثل هذه الأوضاع العصيبة محليّا وإقليميّا وعالميّا.
وبصفة ملموسة هل من الممكن الإبقاء حتّى على القليل من الانتظارات في تحسين الأوضاع مع هذه الحكومة وهذه المنظومة التي غرقت في حروبها الخاصّة؟
وهل من المعقوليّة في استمرار الحديث عن حكومة الوضوح والشّفافية مثلما يزعمون؟
وهل من الحكمة تصديق مزاعم؟
“التضامن الحكوميّ “حول خرافة الوثيقة التّعاقدية؟
وهل من الكياسة بروباغندا حكومةإعادة الشفافية؟
الحقيقة أنّ قائمة الأسئلة قد تطول لكن الإجابة مختصرة ويقدّمها سهلة وبسيطة الواقع الملموس.
فأزمة اليوم ليست فقط قضيّة إبقاء على الحكومة أو توسيعها نحو أطراف جديدة (قلب تونس، ائتلاف الكرامة) بل هي أوسع بكثير. فالسيّد الرئيس أخرجها في أكثر من مناسبة عن تلك الحدود ووضعها في سياق النظام السياسي برّمته (تصريحات قبلي مؤخرا)، الأمر الذي جعله محلّ غضب “حركة النهضة” و”ائتلاف الكرامة” ووصل الأمر ببعض قيادتهما إلى التّلويح بسحب الثقة من الرئيس نفسه.
فمظاهر تفككّ التّحالف الحكومي وصلت حدودا مفضوحة ومقرفة من خلال التّراشق الإعلامي لوجوه قياديّة في ضلعي الحكومة ونعني “النهضة” و”حركة الشعب”. فالأولى وصل ببعض قيادات صفّها الأول نعت “حركة الشعب بالشبيحة وذيول جهات عربية خليجية” وغيرها. امّا الثانية فقد رأت في النهضة “امتدادا لحركة الإخوان العميلة”. وذهب أمين عام” حركة الشعب” إلى وصف رئيس كتلة “النهضة” البرلمانية بقائد جناح الفساد والمطبّعين مع المفسدين الخ…
ومعلوم أنّ وراء هذا الاشتباك المفضوح مناكفات ساخنة مأزومة بين “التيار الدّيموقراطي” و”النهضة”.
فالكلّ ضدّ الكلّ. واللّعب كما يقال على المكشوف وما خفيّ قد يكون أعظم. فالسيّد “زهير المغزاوي” في تصريح إذاعي على أمواج “شمس افم” أعطى إضاءة عن الحروب الخفيّ عندما قال “النهضة ساق في القصبة وأخرى في المعارضة… في مكتب مجلس النّواب هي في خندق 7 مع ممثلي “قلب تونس”وائتلاف الكرامة تقود المعارضة ضدّ البقية 5”.
فالوثيقة التّعاقدية والتضامن الحكومي ليسا سوى غشّا وتحايلا لربح الوقت والتّمترس وراء الكراسي والمنافع.
أمّا عن اسطوانة الشفافية وإعادة الثقة فمناخات دوائر الحكم عفنة ومياه بركها آسنة.