أمام نزل مُقفر وحزين بالمنطقة السياحية بالمنستير، تمترس حارس بسيط، مُتسلّح بمكر البداوة وبسلطة وهمية. بين ردهات النزل توزّع عدد محدود من الشباب المُتطوّع وبعض الممرّضين والأطباء. وتمّ تجميع مئات من المصابين بالوباء، أودعُوهم غُرف مُتّسخة وانتزعوا منهم مفاتيحها ومُنع عليهم الخروج منها بشكل باتّ، فتُركوا في عزلة تامّة إلّا من صُحبة قارورة ماء وملاءات مُكرفشة تعبق برائحة العرق والوباء. لا حقّ لهم في كأس شاي أو فنجان قهوة، طعامهم يُشبه أكلات المطاعم الجامعية، يُقدّم إليهم في أطباق تُوضع أمام غرفهم المُغلقة بعجلة وهِمّة.. وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها مُصابين، عاجزين، منبُوذين، مسحُوقين بالوحدة والكآبة وأشدّ أشكال الحزن والمهانة، تتنازعهم مشاعر الضجر وعدم الفهم والبلاهة وينهشهم الخوف والوسواس والغضب.
هذه الصورة، هي اختزال لما نقله إلينا بشيء من الخيبة وقدر غير قليل من المرارة و الاعتذار، زميلي الدكتور عادل عويان طبيب بالمستشفى الجهوي بالمكنين وأحد أوّل المُتطّوعين لمُرافقة الخاضعين للحجر الصحي. هذه الصورة هي دليل غير قابل للطعن على مدى الاستهانة بكرامة المُصابين بالوباء وكيف عاملتهم السلطات بجفاء وازدراء وهي صفحة أخرى سوداء في سِجلّ هذه الحكومة الرعناء. ولا غرابة في ذلك لأنّ الدولة تقسِّم أفراد الطبقات الضعيفة إلى ثلاثة أصناف، فإمّا أن يكونوا أدوات لتثبيت الحكم ومراكمة الأرباح أو أن يكونوا أعباء تسبّب الإزعاج أو أن يصبحوا تهديدا يستوجب التقييد. فهل يستوعب شعبنا الدرس ويأخذ الأمور بيديه بجرأة وتصميم ويلقي في مزبلة التاريخ بهذا الرهط الوضيع.
ماهر الزعق