الناصر بن رمضان
ما يزال الجيش الأبيض من أعوان الصحة العمومية لم يستردّ بعد أنفاسه من جرّاء الضغط المتواصل لوباء الكورونا، جري وركض بين الأقسام الاستشفائية، سباق مع الساعة لإنقاذ المرضى، أرق في الليل وإرهاق وتوتر عصبي وحالة هيستيرية من شد الأنفاس في النهار. تنضاف إليها أوضاع بنية تحتية مهترئة ومزرية وتجهيزات متآكلة ومتقادمة، علاوة على ظروف عمل منهكة ووضع مادي متدهور يوما بعد يوم.
“فاض الكأس!! ماعاد بيها وين!!! استحقيتونا أمس في الأزمة نستحقوكم اليوم!!! أعطونا حقوقنا: المنحة الاجتماعية!! سحب الفصل 2 لأعوان الصحة العمومية!! قانون الأساسي واجب…”
ذلك ما صدحت به حناجر أعوان وإطارات الصحة العمومية صباح اليوم 14 ماي 2020 بكل من المستشفيين الجامعيين سهلول فرحات حشاد بسوسة، تنادوا تحت إشراف محتشم وعفوي لنقاباتهم المهنية واحتشدوا بالمئات في كلا المؤسستين رافعين شعارات التنديد والاستنكار لتواصل تهميشهم وحرمانهم من حقوقهم المشروعة في قانون أساسي ينظم مهنتم ويكفل كرامتهم المهدورة. إذا هل من المعقول أن يظل قطاع استراتيجي حيوي مثل قطاع الصحة لعقود دون قانون أساسي؟ وإلى متى يتواصل التنصل من الاتفاقيات السابقة، وما الجدوى منها حينما لا يقع تطبيقها؟ وهل من المروءة أن لا يجازى أعوان وإطارات صحة مستشفيي فرحات حشاد وسهلول بالمنحة الاجتماعية والحال أنهم خاطروا بحياتهم في الحرب على الكورونا وضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الشعب؟ ثم إنّ ميزانية هذه المنحة المهينة مرصودة من كراءات المشرب والمكتبة في حشاد، في حين ينكر عليهم المدير العام للمستشفى ذلك؟ لذلك ارتفعت شعارات “ديقاج” في وجهه، كما تم وصفه بحنق “يا مدير يا جبان / عون الصحة لا يهان”. تماما مثلما انصبّ جام غضب الجماهير المحتجة على ممثل الوزارة الذي تخلف عن موعد جلسة عمل في الولاية كانت مبرمجة ليوم أمس دون سابق إعلام أو لاحق تبرير، ولذلك أيضا رفعوا – وهم محقون في ذلك – شعار “حكومة بلا قرار تمشي تشد الدار”. (ومولى الدار لاهي يفرق في bavette في الشوارع في حركة فلكلورية شعبوية تبحث عن show).
فيديوات المتدخلين كثيرة وتشهد أنّ إدارة مستشفى حشاد لم تصرف على أعوانها مليما واحدا منذ بداية الكورونا وكل المصاريف بما فيها عديد التجهيزات متأتية من تبرعات المواطنين والمؤسسات، هذا ما يقرّ به الأعوان.
الجحود ونكران الجميل تجاه التضحيات الجسيمة التي قدّمها مجندو الصف الأول كانت الرد اللئيم للسلط المركزية والجهوية. كيف لا وهي ما تزال تنهل من مخزون ثقافة الليبرالية المتوحشة التي خرّبت ودمّرت قطاع الصحة العمومية وأجهزت عليه. كان أعوان وإطارات الصحة العمومية ينتظرون المكافأة والتوسيم، كما ينتظرون استخلاص الدروس والقطع مع المنظومة الصحية القديمة التي أثبتت تجربة الكورونا إفلاسها لا في الدول التابعة فقط، بل أيضا في معاقل الرأسمالية نفسها. لكن يبدو أنّ هذه الحكومة الهجينة في الصحة كما في قطاعات أخرى “كيف الحلفاء ما تطيب كان بالرزام” فمهلا “هانا راجعين” وإنّ غدا لناظره لقريب.