وأنا متّجه إلى العمل صبيحة هذا اليوم، خُيّل إليّ أن فترة “الحجر الصحي الموجّه” التي من المفترض أن تنطلق بشكل مدروس وحذر، قد انقضت منذ فترة طويلة أو لعلّي نِمْت واستيقظت بعد انقضائها تماما، أو أنّنا لم نمرّ بفترة للحجر الصّحي مطلقا، أو أنّ كورونا لم توجد بتاتا.
فالطريق الرابطة بين المكنين وطبلبة وكأنها تحوّلت إلى رتْل من العربات لا رقيب عليها. وكم كانت دهشتي عظيمة حينما دخلت معمل الآجر بطبلبة في زيارة عمل، فقد تعاظم شكّي في وجود فترة الحجر الصّحي الموجّه إلا عندما مررت عبر “مرش تعقيم” بدائّي الصنع لا يمنع تسرّب الفيروس وكأنه وضع، لا لشيء إلا لمجرّد التّذكير أننا في “حجر صحي موجّه”. فـ “الجال المعقّم” لا يتوفّر في أي مكان في متناول العمّال والموظّفين والزوّار. كما أنّ جميع هؤلاء لا يضعون الكمامات. خوفي أن لا تكون هذه العيّنة الوحيدة والاستثنائيّة في تونس، في ظلّ حكومة تضع الإجراءات دون أن توفّر لها آليات التّطبيق والمراقبة والمحاسبة تجنّبا لتفشّي العدوى، وفي ظلّ وجود أصحاب رؤوس أموال لا يُبالون بقيمة أرواح العمّال، وفي ظلّ وجود طبقة عاملة مهددّة بالطّرد وفقدان مورد الرّزق إن تصدّت للأعراف.
وحتّى نضمن السلامة للعمّال والكادحين عموما، فلا بدّ من تصحيح العلاقة بين هذا الثالوث: فعلى أصحاب المؤسّسات أن يحترموا النّصوص القانونية التي تنصّ عليها مدوّنات الشّغل المحلية منها والدولية، وأن يوفّروا للعمّال ظروف العمل الإنساني اللّائق، وعلى الحكومة مسؤولية الحرص على تطبيقها في أيّ ظرف من الظروف وحماية مواطنيها وتوفير العيش الكريم لهم، كما عليها الكفّ من الانتزاع من الفقير لتجود على الغنّي.
لكن هذا الأمر وذاك لن يأتي من تلقاء نفسه، لكنّه سيتحوّل إلى أمر واقع متى صحا العمّال من غفوتهم وكسّروا قيود الخوف الزّائف التي تكبّلهم، واقتنعوا أنّهم الصنّاع الوحيدين للثروة، وأنّ الثروات الطائلة التي يكدّسها مستغلّوهم لا تساوي شيئا من دونهم.
عماد المناعي