عمار عمروسية
يبدو أنّ رياح التغيّيرات المحليّة والاقليميّة والدّوليّة تنزل بأثقالها الشديدة على نظام الحكم بالسّعودية وتدفعه بسرعة قياسية إلى مستنقع أزمات مركبة الأبعاد يختلط فيها الاقتصادي – المالي بالسياسي الداخلي وامتداده على السّاحات العربية والاقليميّة والدّوليّة.
فهذه الأزمة غير مسبوقة من حيث العمق والشمولية قياسا بما مضى. فهي وفق عديد الملاحظين أزمة وجود وبقاء لأسرة آل سعود. وهي باعتراف وزير المالية السعودي في تصريح إعلامي في المدّة الأخيرة “أوضاعنا المالية صعبة ولم نعرفها من قبل… ولم يعد ممكنا الحديث عن المشاريع الكبرى لسعودية 2020-2030…”.
هكذا أصبح حال نظام الحكم الفاسد الذي اعتاد منذ النشأة على إدارة شؤون الحكم داخليا وخارجيّا بالاعتماد على الإنفاق السخيّ إلى حدود الهدر والتبذير من فيض خرافي لمبيعات النّفط ومداخيل العمرة والحجّ.
فبلد فيض الخزينة الماليّة دخل من الباب الواسع إلى ساحة دول الفقر والتّداين الذليل من صناديق النّهب الدّولية.
وبلد “أرامكو” الشركة البترولية العملاقة ومفخرة المملكة كما يحلو لأبواق دعاية آل سعود طرحت أسهمها للبيع بأسعار شديدة الانخفاض لمعالجة السّقوط المدّوي لأثمان برميل النّفط وتراجع الطلب عليه تحت جائحة “كورونا”.
وبلد السخاء في الإنفاق على مستلزمات إفساد وعي الشعب السعودي وشراء صمته على واحد من أكثر الأنظمة تخلفا وانحطاطا في العصر الحديث وجد نفسه مجبرا على مزيد تسريع برامج التّقشف والتّفقير.
فوزير الخزانة السعودي أعلن مؤخرا عن جملة من الإجراءات المدّمرة لشعبه تحت تعلاّت “كورونا،
فجميع المواد الاستهلاكية بما فيها الأساسية خضعت إلى ترفيع تجاوز أحيانا كثيرة 100٪ وخدمات المرفق العمومي (تعليم، صحّة، نقل…) قفزت إلى معاليم فلكيّة.
قد تبدو هذه الأوضاع ظرفية ومرتبطة بعوامل طارئة مثل مخلفات” كورونا” وأزمة الطاقة مثلما يروّج الخطاب السعودي الرسمي. إلاّ أنّ الحقيقة غير ذلك.
فعناصر التأزمّ سابقة ومظاهرها قديمة وأسبابها هيكلية في الاقتصاد وسياسية وثيقة الارتباط بخيارات الأسرة الحاكمة.
فدولة لاقتصاد الرّيعي الهشّ القائم على استنزاف الثروات الباطنية وهدر أموالها في الفساد والبذخ هي المسؤولة عن وضع شعبها عرضة لتقلّبات الاقتصاد العالمي وأزماته الدّورية.
وخيارات العمالة وحماية الحكم بالاعتماد على حماية الأجنبي هي من فاقمت الأوضاع خصوصا منذ صعود نجم “محمد بن سلمان” واندفاعاته المتّهورة في حروب عدوانية لصالح دول الاستعمار الغربية وأمريكا وبطبيعة الحال الدولة الصّهيونيّة.
فنظام آل سعود منذ النشأة وضع إمكاناته الماليّة لتدمير الشعوب العربية ودول الممانعة في منطقتنا. وعمل بأبشع الطّرق على فرض زعامته عربيا وإقليميّا.
فمن يشتكي من أزمة اليوم ويختفي وراء جائحة “كورونا” هو من ينفق آلاف المليارات على الحرب القذرة على الشقيقة اليمن (725 مليار في 6 الأشهر الأولى فقط) وهو من أنفق بليارات الدولارات على تدمير العراق وسوريا ولبنان الخ…
فخاسر كلّ حروبه المكشوفة والخفيّة والواقع تحت وطأة أزمة اليوم هو من وضع أمواله على تكديس أسلحة الدّمار (خُمُس مبيعات السلاح في العالم تدفعه المملكة).
وأزمة النّفط الحاصلة اليوم والتي اشتكى من آثارها المالية وزير الخزانة السعودي عندما قال “أكثر من 80٪ من أموال خزينة الدولة فقدناها” هي من نتائج الحرب النّفطية التي أطلقتها المملكة خدمة للسيد “ترامب” و”نتانياهو” لأهداف رجعية وحسابات مغلوطة (تضييق الخناق على إيران).
فبراقش جنت على نفسها كما يقال ووضعت عهد وليّ العهد “محمد بن سلمان” في امتحان عسير ليس سهلا بالمرّة تجاوزه رغم مساعي الأخير الموغلة في الاستبداد والبطش حتّى بقاعدة حكمه الطبقيّة والاجتماعية (أكثر من 300 نفر من الأسرة الحاكمة وكبار أثرياء المملكة في الإيقاف).