عمار عمروسية
يبدو أنّ قوى الانحطاط والتّخلّف السياسي ماضية دون هوادة في استغلال ظروف الازمة الشاملة التي تعصف بالبلاد. تلك الأزمة التي ازدادت عمقا واتّساعا بفعل تداعيات “كورونا”.
فأطراف الحكم، وخصوصا الأساسية منها، تسابق الزّمن لتحقيق مآربها المعادية لأبسط أهداف الثّورة تحت قصف سياسي وإعلامي قائم على التّزوير والكذب والتّشوية الفجّ لبعض القيم الإنسانية النبيلة.
فموجة التّضامن المجتمعي بين فئات شعبنا لتخفيف وطأة العوز والخصاصة على ملايين المحتاجين والفقراء مثلت التّوقيت المناسب لعودة “حركة النهضة” إلى تحريك ملفّ صناديق الزّكاة الذي فشلت أثناء نقاش ميزانية الدّولة لسنة 2020 في تمريره داخل مجلس النّواب.
فصندوق زكاة “الكرم” الذي أعلن عن بعثه رئيس بلدية المكان منذ أيّام قليلة ليس بالأمر الجديد ولا الحدث المعزول. فهو فاصلة من مشروع ظلامي كبير لأخونة الدّولة والمجتمع دون إقامة أدنى اعتبار لدستور البلاد ولنمط مجتمعنا الأصيل والمتجذّر.
فملامح المشروع العامّة قديمة ومعروفة. والفشل الذّريع لفرضها بالمرور القويّ زمن حكم “الترويكا” معلوم أيضا. الأمر الذي فرض على القائمين على بعث دولة الخلافة السادسة (تصريح حمادّي الجبالي) إلى الانكفاء إلى خلف وتغيير تكتيكات فرضه ضمن سياسة التّمكين والأخونة النّاعمة.
فالتّمكين يقتضي الخديعة في الخطاب والتّأقلم الموميائي مع الدّولة المدنية وقيم الدّيموقراطية والعمل من “تحت” واصطياد كلّ الفرص لزرع الأنصار والأتباع في مفاصل كلّ الدولة من أعلى الهرم إلى أسفله.
والأخونة النّاعمة هي العمل بأنفاس طويلة بعيدا عن الصّدمات والضجيج لتحقيق الأهداف تباعا، بما يفضي في نهاية المطاف إلى الأخونة الشاملة على أنقاض النّمط المجتمعي السائد.
فصندوق زكاة “الكرم” الذي تمّ تدشينه اليوم بعيدا عن إجراءات التّباعد الجسدي حظي بموافقة وزير الصحّة السيّد عبد اللطيف المكّيوفق تصريحه صبيحة اليوم في راديو “شمس اف ام”، الأمر الذي سيعطي دفعا قويّا لصناديق زكاة مماثلة في أكثر من مدينة وقرية، خصوصا وأنّ أحاديث متواترة عن جهوزية أكثر من 17 بلدية على محاكاة “الكرم” مثلما هو الحال بـ”سليمان” و”المكناسي” و”صفاقس المدينة” التي شقّ رئيس بلديتها منذ زمان طريق العداء لمدنية الدولة من خلال الاعتداء على حريّة الأهالي في منح الأسماء للولادات الجديدة تحت تعلاّت احترام المعتقد الدّيني والأخلاق!!!
فالأسماء التي تحيل إلى ديانات غير الإسلام ممنوعة مثل مريم وسارة الخ… والأسماء التي لها صلة بما يعتبره “مجون” مثل ليلى وبثينة مرفوض في إمارته!!!
تحدث كلّ هذه التّعديات الفظيعة على الحرّيات والدّستور ضمن عمل منظم يمزج بين الجرأة والاندفاع حينا والخجل والانكفاء حينا آخر مستفيدا في كل خطواته من انشغالات الرأي العام الوطني بقضايا حياتيّة أخرى حارقة وسقوط منظومة الحكم في حروب بائسة تدور حول تأمين مغانم السلطة ومنافعها.
فرئيس الجمهورية وفق منطوق الدّستور وتحديدا فصله 72 يتوجب عليه الوقوف أمام هذه الخروقات.
ورئاسة الحكومة والبرلمان محمول عليها مغادرة هذا الصّمت المخزي ووضع حدّ لتفكيك الدّولة وتقسيم المجتمع بالاعتماد على قراءات خاطئة ومجانبة لقانون الجماعات المحليّة.
وقبل هؤلاء جميعا فالحركة الدّيموقراطية والتّقدّميّة التي خاضت معاركها الطويلة وقدّمت دماء شهدائها من أجل الحرّية والدّيموقراطّة بما فيها أسس الدّولة المدنية مدعوّة إلى اليقظة والحذر والإسراع برصّ الصّفوف بما يسمح بخوض أمّ المعارك (الحرّية) وردّ قوى الظلام والانحطاط على أعقابها.