عمار عمروسية
لم تقْدِر حكومة السيّد “الفخفاخ” على ضبط شهيّة المرور السرّيع نحو المعالجات الأمنية الغليظة والقضائية الجائرة في التّعاطي مع الحراك الاجتماعي والشعبي الذي يخوضه طالبو الخبز والشغل بالجهة منذ مدّة.
فصبيحة يوم 1 جوان عاد إدمان السلطات إلى مربّع البطش والتّنكيل بشبيبة الغضب والتّهميش أمام مقرّات السيّادة (الولاية) وغير بعيد عن الإذاعة الجهوية، نزلت القبضات الغليظة لبعض رجال الأمن على أجساد الفتية والفتيان من أصحاب الشهائد العليا وغيرهم من المعدمين وعملة الحضائر الخ… وحضرت قوّة العضلات والإيقافات العشوائية لتفريق تجمهر سلميٍّ اعتادت عليه ساحة ولاية “قفصة” وشوارعها العامّة على امتداد السْنوات الماضية!!!
أكثر من ذلك، فقد تمّ إيداع 4 عناصر من تنسيقيّة عملة الحضائر بالسّجن المدني على خلفيّة تدوينات على الشبكة الاجتماعيّة تحت زعم أنّها تحمل دعوات للتّحريض!!!
والأفظع أنّ النيابة العموميّة رمت بجميعهم السجن المدني “قابس” دون النّظر، لا إلى القانون ولا أوضاعهم العائلية ولا حالة أحدهم الصحّيّة (مرض مزمن وإعاقة جسدية دائمة)!!
فالمشهد صبيحة 1 جوان أعاد إلى الذّاكرة سنوات البطش النٰوفمبري وفاصلة حكم “الترويكا” وسقوط دم أحد أبناء قفصة والحركة التّقدميّة مناضل “الجبهة الشعبيّة “الشهيد “محمد بالمفتي”، تحركّت شهيّة الاستقواء على الحراك المدني لقطع الطّريق أمام النّهوض القادم ضمن محاولةٍ جديدة لنشر الخوف وإرباك أصحاب الحقوق عن المضيّ قُدُمًا في رصّ الصفوف وتعزيزها بما يُعيد للجهة القليل من ثرواتها المنهوبة على مرّ العهود.
إنّ هذا الانزلاق نحو تجريم الحراك الاجتماعي والشعبي بالجهة ليس بالأمر الجديد ولا حتّى غير المنتظر تحت حكومة مسكونة بشهيّة تأمين استخراج ونقل “الفسفاط” على رقاب الأهالي، خصوصا في ظلّ أزمة القطاع السياحي وتراجع مردودية الأنشطة الفلاحيّة والاقتصادية عامّة، زيادة عن شحّ أسواق الاقتراض الخارجيّ.
فكلّ المعطيات السّابقة وغيرها كانت تدفع الكثيرين من متابعي الشأن الوطني إلى توّقع مثل هذا الانزلاق في أقرب وقت. وقد سبق لنا أن حذّرنا مِرارا وتكرارا من هذا التطّوّر والمآل الذي لن يقود إلاّ إلى مزيد تعفين الأوضاع وتعميم تعطّل الإنتاج الفسفاطي. فالقوّة مهما حشدت لها الدّولة من وسائل لن تفلح في فرض صمت القبور مجدّدا ولا في تدّفق “الذّهب ألأسود”.
وتجربة كلّ الحكومات السّابقة حتّى في أوْج قوّة الدّولة البوليسية انتهت إلى نتائج وخيمة على أصحابها، فالحصيلة العامّة لمنطق القوة كانت مزيد توّقف ماكينة الإنتاج المنجمي وازدياد الهوّة بين منظومة الحكم والأهالي. فكلّ هياكل السلطة والشركة “البقرة الحلوب” أصبحتا منذ وقت طويل في مرمى سخط الأغلبية السّاحقة من الأهالي.
الدّولة أشاحت بوجهها عن معاناة النّاس وتفصّت من جميع مسؤولياتها الاجتماعيّة نحو الجهة وتركت جوانب حقن التّصبير ورشاوي السّلم الاجتماعيّة على عاتق شركة “التّراب” المنهوب. فالدّولة هي “الشركة “، وخير الأخيرة الأوفر للأولى والفتات للجهة.
دون شكٍّ لم يتمكن حراك ما قبل الثورة ولا الذي تلاها، رغم التّضحيّات الكبيرة، من تحقيق مكاسب جهويّة تقطع مع وضع الانهيار الذي يطال “قفصة” في جميع المجالات. غير أنّ أوضاع اليوم مختلفة عن القديم، فالحركة الاجتماعيّة ونظيرتها السياسيّة راكَمَتا الكثير من الخِبرات والتّجارب وأصبَحتا على قدرٍ كبير من النّضج لتأمين شروطِ، ليس فقط كسر شوكة البطش والتّنكيل، وإنّما فرض المطلب المفتاح لتغيير الأوضاع، ونعني تخصيص نسبة 20 % من عائدات مرابيح شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي للمساهمة في النّهوض بأحوال الجهة كلّها.
إنّ روافد النّهوض والنّضال قائمة وحتّى تعدّدها (ائتلاف مدني، لقاء حزبي تقدّمي، تجمّع مهني وحقوقي.) هي ظاهرة إيجابية يمكن تنسيق كلّ فعالياتها بما يخدم تحقيق الهدف المشترك للجميع. فنقطة الضعف الكبيرة التي لازمت مسيرة استرداد الحقوق كانت على الدّوام عناصر الفُرقة القائمة على أساس مناطقي أو قبلي وسياسي الخ…
إنّ وحدة الجميع وتوحيد فعاليات الحراك هو ضمانة تحقيق مطالب الجهة بما ينصف تضحيات الأجيال السابقة، وصهر كلّ الحراك في سياق مدنيٍّ مواطني دون تمييزٍ أو حسابات ضيّقة هو الكفيل بإيقاف إطلالة القمع وتخليص شبّان عملة الحضائر من سجنهم يوم 11 جوان (جلسة المحاكمة) وإيقاف التتّبعات ضدّ شبيبة “المتلوّي”.