الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد، تمثّل أحد المؤسسات الأكثر رِبْحا من غيرها لاستفرادها بإنتاج وتوزيع التبغ والوقيد بصفة احتكارية راجعة إلى الدولة. لكن رغم مردوديتها المالية الهامّة، فإنّ لوبيات الفساد التي تهيمن عليها جعلتها من مؤسسة رابحة إلى مؤسسة خاسرة وتحوّلت إلى وكالةٍ ووكرٍ للتلاعب بالمال العام وشراء الذمم، كما تحوّلت السيطرة عليها من بين أولويّات المتنفّذين في الحكم لكثرة أموالها وسهولة استغلالها.
لقد نشرت هيئة الرقابة العامة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية تقريرها المتعلق بمهمّة تدقيق شامل يمسح الفترة الممتدة بين 2010-2014. حيث كشف التقرير أن الوكالة خسرت أموالا طائلة نتيجة سوء التصرّف والفساد وغيره من التّجاوزات الخطيرة، ممّا جعل الوكالة، التي من المفترض أن تكون رابحة، تسجّل عجزا خلال تلك الفترة قدره 136 مليون دينار.
ومن بين أخطر الملفات التي تناولها التقرير تمثّلت في وجود عمليات استيلاء على كميات هامة من عُلب السجائر. وتواصل ذلك بشكل متواترٍ دون التوصّل إلى تحديد الأيادي الخفية وراء ذلك. ومن الواضح أن لوبياتٍ داخل الوكالة وخارجها تروّج كميات هامة وتسلّمها إلى السّوق السوداء وإلى ترويجها خارج المسالك الرّسمية للوكالة. كما أن الوكالة عمدت إلى استيراد كمّيات هامة من التّبغ لبيعها بالبلاد التونسية دون التّدقيق في الأسعار المرجعيّة وتغيّرات صرف العملة، وهو ما يعنى أن كوادر بالوكالة يضاربون في تلك الشّراءات عبر الفوارق في العملة وفي السّعر المرجعي، وهذا يعدّ بالمليارات.
ومن بين النقاط التي أثارها التقرير ما تقوم به الوكالة من توسّع دائرة المستفيدين من عُلَب سجائر مجانيّة، وهو بالفعل ما يفوق الخيال، فمن بين المستفيدين نجد عمّال الوكالة والمتقاعدين وأعضاء مجلس الإدارة والمديرين العامّين وأعضاء القطاعات الماليّة وأعوان القباضة المتداخلة في موضوع التّبغ المتداخلين وبعض الأطباء المباشرين لموضوع التبغ، وكلّ ذلك دون وجود سندٍ ترتيبي يهمّ الأشخاص والكمّيات حتى أن حصص مجانيّة السجائر قد بلغت 22 مليون دينار، والوكالة خاسرة بالطبع.
ويتبيّن من خلال التقرير إلى أيّ حد قد بلغ حجم الفساد وسوء التصرّف وغياب الدولة. ولكن ما كشفه التقرير يبقى محدودا من حيث الفترة الزمنية التي تناولها، لأن تلك الممارسات لا يمكن أن تكون قد انتهت سنة 2014 بل من المؤكّد أنها تواصلت إلى اليوم باعتبار أن الجهات الرّقابية لم تفصح عن هذا التقرير إلا خلال المدّة الأخيرة.
ويمثّل هذا دليل على أن اللّذين ينادون بخوصصة المؤسّسات العمومية من بينها التبغ والوقيد مستفيدين من ذلك الفساد الذي جعل من مؤسّسة رابحة، تحمّل خزينة الدولة المليارات كل سنة دون حسيبٍ ولا رقيبٍ. ومن الواضح أن الوكالة مساهمة في تفشّي السّوق السوداء والمضاربة قصد ربح الأفراد العاملين بها، وهم من كبار الوكالة وكوادرها.
زينب الكافي