يتواصل الحراك الشعبي السلمي بحاجب العيون لمدة أسبوعين على التوالي تقريبا. وهو حراك متنوع ومتعدد الأشكال، فيه المسيرات والاجتماعات العامة الحاشدة والاعتصامات واللقاءات الحوارية وغيرها. لم يترك الحواجبية شكلا من أشكال الاحتجاج السلمي إلاّ ومارسوه قناعة منهم بأنّ تحقيق المطالب يأتي بالنضال وليس بالتوسل، وأنّ التعبئة الشعبية تتطلب – إضافة إلى سلمية الاحتجاج التي فرضت نفسها قاطعة الطريق على كل أشكال العنف حتى لا تتوفر ذرائع القمع- هذا التنوع.
المطالب واضحة وتتعلق بتطوير المرفق الصحي بالجهة والتنمية والتشغيل… علما وأنّ الحاجب تتوفر على أراضي خصبة وضيعات تمسح 175 ألف هكتار استولى عليها حسب تقرير دائرة المحاسبات أفراد معلومو الهوية لدى البلدية التي لم تتجرأ على مقاضاتهم. ويمكن لهذه الأراضي أن توفر المئات من مواطن الشغل لشباب الجهة. لكن ما ينقص هو الإرادة السياسية والقرارات الجريئة التي تستجيب لانتظارات الشباب في الجهة.
لقد تطلّب مرور أول تغطية إعلامية للحراك في الوطنية الأولى ثمانية أيام من الاحتجاج المستمر والمتصاعد وشباب الحاجب يتساءل عن الوقت الضروري لاستجابة السلط للحوار مع الأهالي. هذه الأخيرة تبدو غير عابئة بما يدور في الحاجب. أو هي تنتظر أن تنتهي الاحتجاجات إلى التراجع والفشل عملا بمقولة “أنتم اعملوا اش تحبو واحنا كحكومة نعملو اش نحبو”. وهي إحدى خصائص الديمقراطية البورجوازية الشكلية التي تسمح بالاحتجاج والتظاهر والتعبير (في حدود طبعا) لكن في نفس الوقت تغض الطرف عن المطالب.
الحكومة مارست هذا الأسلوب في عديد المناسبات والجهات والقطاعات والتجأت مرات أخرى إلى العنف والحلول الأمنية والقضائية مثلما اعتمدت أيضا أسلوب المناورة بالإمضاء على الاتفاقيات تحت ضغط التحركات ثم الامتناع عن تطبيقها. وهو ما حصل خلال الحراكات السابقة مع أهالي حاجب العيون أنفسهم على غرار عديد الجهات التي شهدت احتجاجات (الكامور- القيروان…).
إنّ إرغام السلطات على التفاوض الجدي والاستجابة للمطالب يتطلب جملة من الشروط منها اتساع الحراك ليشمل كل أبناء حاجب العيون مدينة وريفا وكل القطاعات والفئات، واعتماد أشكال نضال جديدة أرقى وأكثر ضغطا منها الإضراب العام المحلي إلى جانب المساندة الخارجية سواء من داخل ولاية القيروان أو من خارجها. كما أنّ تقدم الأهالي بمقترحات الحلول بالتعاون مع الخبراء وأهل الاختصاص من أبناء الجهة وخارجها من شأنه أن يحرج السلطات ويفرض عليها أجوبة جدية. ونعتقد أنّ غلق المعتمدية هو إعلان من الأهالي عن طور جديد أعلى سقفا من الدور الأول.
الأكيد أنّ عقول أبناء الحاجب منكبّة على هذا الملف وستعمل قيادات الحراك على ممارسة الضغط الضروري للتقدم في هذا المسار مع الأخذ في الحسبان أنّ الأزمة العامة في البلاد التي هي أزمة خيارات وبرامج استفحلت خاصة بفعل تداعيات جائحة كورونا. وباتت المنظومة الحاكمة عاجزة عن إيجاد الحلول والمعالجات الضرورية بما يجعل من الصعب – وليس من المستحيل طبعا – الاستجابة بسهولة للمطالب. وهو ما يتطلب طول النفس ومزيد الصبر والعمل على كل الواجهات من أجل كسر الحصار.
إنّ الوجه الآخر والأهم لغياب السلطات تجاه حراك حاجب العيون وعدم تفاعلها إيجابا إلى حد الآن مع مطالب الحواجبية يعكس من جهة أخرى جوهرها الطبقي المعادي للأغلبية الشعبية والخادم فقط للأقلية المافيوزية على حساب هذه الأغلبية المفقّرة والمهمشة. ولعلّ استغلال الأراضي في الجهة يعكس هذا الانحياز ويؤكّد عليه.
أهالي الحاجب الذين التزموا بسقف محدد لهذا الحراك، وهو تحقيق المطالب المشروعة سيدركون تباعا ومن خلال تجربتهم الخاصة أنّ هذه المنظومة عاجزة وفاشلة لأنها اختارت خدمة الأقلية على حساب الأغلبية وتضييق قطب الثروة الذي ينحصر في نسبة قليلة من كبار الملاكين وأصحاب المؤسسات مختلفة الاختصاصات الذين يحتكرون أهم المشاريع الاقتصادية بشهادة خبراء البنك الدولي أنفسهم. يقابله من الجهة الأخرى قطب الفقر والتهميش الذي ما فتئ يتسع بعد 14 جانفي بسبب الخيارات والسياسات اللاشعبية واللاوطنية.
سيدرك الحواجبية مثلهم مثل سائر التونسيات والتونسيين أنهم بحاجة إلى ديمقراطية أوسع وسلطة شعبية حقيقية وسيادة على ثروات البلاد التي هي ملك للشعب لا ملكية يحتكرها الكمبرادور الفاسد.
علي البعزاوي