عمار عمروسية
بلدة المقاومين زمن المحتلّ الفرنسي ومنجم المناضلين التّقدميّين زمن عهود الاستبداد، “ملوسي” المقصيّين من سياسات الحكومات المتعاقبة، ولاّدة الثّائر الشهيد “عبد المجيد السكري” والفقيد “أحمد بن عثمان الردّواي” رمز الصّمود تحت سياط جلاّ ديه.
“مكناسي” الإسهام النّشيط في الثورة التّونسيّة تجد نفسها من جديد في قلب معركة الشّغل والكرامة. منجم الفسفاط الذي وقع اكتشافه منذ سنوات مازال لم يدخل بعْدُ حيّز الاستغلال. تتعثّر أعمال التّهيئة تحت تلاعب السّلطة وتثاقل الإجراءات، غير أنّ معارك شبيبة المقصيّين انطلقت منذ سنوات.
وعود التّشغيل وجميع الاتّفاقات المُبرمة مع الشركة الأمّ ضاعت في متاهات التّسويف والمماطلة… تحرّكت أشغال التّهيئة وشارفت على الانطلاق فأحْيَتْ آمال “الخبز المُرِّ” لدى المعطّلين بالجهة، فعادت خيام المعتصمين في العراء إلى الظّهور، واستقرّ الأمر على ثلاثة خيام آوتْ العشرات من شبيبة الأحلام البسيطة وسط تعاطف أهليّ كبير.
جلسة التّفاوض تفتح على الخواء وتفتح على ماراطون جلسات التّسويف والمماطلة، يتعاظم غبن الغاضبين ويرتفع نسق الحراك بين الوقفات الاحتجاجية ومسيرات الغضب وسط تجاهلٍ حكوميٍّ غريب قطعه فجر البارحة هجوم قوات الأمن على ساحة الاعتصام.
رجال الحُلم نيامٌ والهراوات الغليظة على رؤوسهم وأجسادهم من أجل فكّ الاعتصام.. الجرّافات أزالت كلّ الخيام وأقامت حواجز ترابيّة، تحت أوامر القيادات الأمنية.. القنابل المسيلة للدّموع مثل المطر تتساقط في كلّ الاتّجاهات وحملات ترويعِ الأهالي وإيقاف الشّباب متواصلة حتّى الصباح.
نساء ورجال “المكناسي” يتوافدون نحو مركز الأمن ويرفعون الأصوات عاليّا “شادّينْ شادّينْ في إطلاق سراح الموقوفين”.
تحت إصرار الأهالي يقع تسريح 32 موقوفا، من بينهم وفق شهود عيانٍ، إثنين من عابري السّبيل، في انتظار مثولهم الأسبوع القادم لدى باحث البداية. والبلدة حتّى هذه السّاعة تحت حصار القوات الأمنيّة القادمة من ولايات الجوار (قفصة، صفاقس، القيروان).
إنّ ما يحدث في “المكناسي” اليوم يعيد إلى الذّاكرة مدن الحوض المنجمي أثناء انتفاضة 2008.. تختنق البلدة تحت هذا الحصار ويتزايد الغبن بين أهاليها من إطلالة البطش والتّنكيل بما يفتح، وفق مصادر ميدانيّة، إلى تطوّراتٍ قادمة قد تختلط فيها من جديد لعنة الفسفاط وتهوّر السّلط مع إرادة المقاومة واستعادة الحقوق المسلوبة.
ليلُ “المكناسي” طويل تحت هذا الحصار الخانق.. لكنَّ صباحها أجمل مع إرادة أبنائها التّي لا تلين.