بقلم عمار عمروسية
تعالت أصوات “حركة النهضة” وأتباعها مندّدة بأحكام الإعدام التي أنزلها القضاء المصري هذه الأيام ضدّ 529 متّهما من أتباع جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها بمصر وذلك على خلفيّة أعمال العنف الدموية التي رافقت حلّ قوّات الأمن والجيش المصريين لاعتصامي “رابعة” و”النهضة” اللّذين نظّمهما “الإخوان” احتجاجا على خلع الرئيس محمد مرسي الذي أدخل البلاد في أزمة خانقة وهو ما دفع بملايين المصريّين إلى الشّارع للمطالبة برحيله.
وما يشدّ الانتباه في موقف حركة النهضة التونسية هو انتهازية مواقفها أو بالأحرى ازدواجيّتها. فنفس هذه الحركة التي تدين أحكام الإعدام في مصر هي التي تصدّت في تونس، أثناء مناقشة الدستور بالمجلس الوطني التأسيسي، لمطالبة القوى الديمقراطية بوضع فصل يُلغي عقوبة الإعدام باعتبارها عقوبة لا إنسانية، تجاوزتها معظم دول العالم على اختلاف ديانات شعوبها وثقافاتها وأصولها القومية والإثنيّة. ولسائل أن يسأل: لماذا موقف في تونس وآخر في مصر؟ هل قدر المسلمين التّخلّف عن ركب الدّول والأمم الأخرى؟
وبالعودة إلى التاريخ، فقد أثيرت مسألة إلغاء عقوبة الإعدام عند صياغة ميثاق الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الانسان في ثمانينات القرن الماضي، وقد كانت السلطات التونسية وقتها، على استعداد لتقبل من الرابطة مثل ذلك الموقف، بل وعلّقت على الأقل بصورة رسمية تنفيذ أحكام الإعدام رغم عدم التزامها الكامل بذلك. ولكنّ حركة النهضة رفضت إلغاء عقوبة الإعدام بدعوى أنها من أسس الإسلام رغم محاولات بعض المثقّفين من أمثال الأستاذ والمفكّر محمد الطالبي، تبيان أنّه يوجد في النّصّ القرآني ما يمكن تأويله في اتّجاه قبول مبدأ الإلغاء.
ومن سوء حظّ حركة النهضة أنه لم تمضِ سوى سنوات قليلة حتى جاءت أحداث باب سويقة (فيفري 1991) التي تورّط فيها أتباعها وحكم على البعض منهم بالإعدام ونفّذ فيه هذا الحكم. ومازلت أتذكّر إلى اليوم ما قاله الرئيس الأسبق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، المرحوم “محمد الشرفي من أنّ “النهضة” وقعت ضحيّة لحماقتها، فلو أنها سايرت التقدّم الإنساني وقبلت إلغاء عقوبة الإعدام لربّما بقي أنصارها على قيد الحياة، ولربّما أفلتوا من مشانق بن علي الذي لم يمتّعهم بمحاكمة عادلة وانساق وراء الدعوات الانتقامية لجماعة حزبه، “التجمع الدستوري .”
فهل أنّ النهضة، أو على الأقل أطراف منها ستتّعظ اليوم بما يجري في مصر وتراجع موقفها من عقوبة الإعدام؟ ربما ظنّ نواب النهضة وهم يدافعون عن هذه العقوبة في رحاب المجلس الوطني التأسيسي أنهم باقون في الحكم إلى أبد الآبدين وربما أنهم سيحتاجون إلى عقوبة الإعدام ضدّ خصومهم أو ضدّ “الخارجين عن القانون”؟ ولكن للحياة منطقها الخاص و”اللّي يحسب وحدو يفضلّو” كما يقول المثل الشعبي، فالدوائر تدور وقد يقع المرء ضحية ما قد يكون خطّطه لخصمه. وهو ما يدفعنا إلى القول أنه ليس ثمّة ما هو أفضل من المواقف المبدئية التي تسدّ الباب أمام المظالم، كلّ المظالم، مهما كان الضّحية ومهما كان الظرف.