واحة شننّي واحدة من بين واحات قابس الخمس التي تمثل الواحة البحرية الوحيدة على ضفاف المتوسط، واحة كانت جديرة بدخول سجلّات التراث الطبيعي العالمي والتمتع بحماية خاصة.
لا يختلف إثنان أن زيارة الواحة والسّير في ثناياها وبين غاباتها وفى “المسرب” (كلمة محلّية تعني الطريق الفاصلة بين الغابات في وسط الواحة) تعتبر مغامرة محمودة العواقب. فحين تتجوّل داخلها تخال نفسك في بعض الجزر كالمالديف أو المارتنيك وجهة أثرياء العالم. هذه الثروة الطبيعية جعلت من شننّي قرية ذات طابع خاصّ تجمع بين الأصالة والمعاصرة. نخيلها المتنوّع وفلاحتها، فلاحة الطّوابق، كانت ولا تزال مصدر عيش الفلاحين.
شننّي كانت إلى سبعينيّات القرن الماضي وجهة سياحيّة قبل تصنيع المنطقة بقرارٍ سياسيٍّ، ومنها تحوّلت إلى منطقة تُقاوم التصحّر والعطش، ناهيك عن التحوّلات الاجتماعية والثقافية التي غيّرت ملامح الواحة على كل الأصعدة. وبالرغم من وجود المحاولات لإعادة الاعتبار للواحة كموروث طبيعي واقتصادي (جمعية صيانة الواحة(ASOC) مثالا)، إلا أنها لازالت تعاني من عدّة مشاكل تهدّد وجودها كواحة.
ولعلّ وباء البوصفير هو نتيجة لتراكماتٍ عدّةٍ سببها الأول هو تحويل وجهة الدّورة المائية الطبيعية المتمثّلة في “روس العيون”، يعني منابع المياه، “العين البيضاء” ومنها واد السيل الذي يصل مباشرة واد ڨابس ليصبّ في البحر. واد السّيل والربرابة المسبح الطبيعي التي لطالما نعِم به أولاد شننّي ملاذهم من حرّ الصيف. كان أيضا قِبْلة النّسوة لغسل الملابس والسّباحة. كل هذه الملامح والنشاطات اندثرت لمّا جفّت العيون من أجل عيون المنطقة الصّناعية.
إذن تحوّلت الواحة إلى منطقة سقويّة تنتظر الدّورة المائية كل شهر أو يزيد، ممّا أدّى إلى حرمان الفلاحين الصغار من دورة الماء الطبيعية “السّواڨي”. هذا التحوّل في مجرى المياه انجرّت عنه ظاهرة المياه الرّاكدة في الوديان التي لا تزال على حالها. ومن الطبيعي أن تتحوّل إلى مستنقعات ومصبّات للفضلات، ناهيك عن ضعف التدخّل البلدي في عمليات التطهير ونقص وعي المواطنين بخطورة الوضع الصحي والبيئي. إنه لمن المخزي أن تعود أمراض وأوبئة خِلناها ولّت وصارت من الماضي.
لذلك على المجلس البلدي المنتخب تحمّل المسؤولية كاملة في اتّخاذ القرارات العملية والحلول العلمية الناجعة حتى يتمّ تطويق المشكل قبل أن يتحوّل إلى مشكل صحي واجتماعي. على المسؤولين المحلّيين أن لا يروا في المواطن مجرّد ورقة انتخابيّة في مسعى لإرضاءه حتى لا يخسروا صوتا في المحطات القادمة. القرارات الجريئة تتطلّب التضحية والشجاعة، والوضع البيئي والصحّي يستدعي حلولا عاجلة وجدّية حماية لصحّة المواطنين وحماية لواحة ظلّت هي المتنفس الوحيد لأهالي ڨابس.. فلا تتركوا شننّي بين وبائيْن.
رفيعة شبشوب