عمار عمروسية
تتكاثر الدلائل الملموسة كلّ يوم عن المأزق الكبير الذي تدحرجت إليه البلاد تحت مؤسسات الحكم المنبثقة عن انتخابات 2019.
فجميع الأوضاع السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة تنحو نحو التّقهقر الخطير ضمن تقلّبات إقليمية وعالمية شديدة التّسارع والتّعقيد.
فأمور التّونسياتت والتّونسيين على امتداد الوطن تزداد سوءا يدفع بالكثيرين منهم ومنهنّ إلى كسر جدار الصّمت والهدوء القلق إلى ساحات الحراك وإشهار المطالب العادلة.
ينهض المتضررون في كلّ ركن وزاوية من البلد بمطالب وشعارات قديمة تعيد إلى الذّاكرة ماصدحت به حناجر جموع الثائرات والثائرين في ملحمة إسقاط الدّكتاتورية النٍّوفمبرية.
فهبّة أهالي تطاوين الحاليّة ضدّ التّهميش و”الحقرة” هي نفسها التي أوقدت مشاعر جماهير المقهورين في ثورة الكرامة في 2011 ومطالب شبيبة اعتصام “الكامور” وتحديدا سيادتهم على الثروات النّفطية هي ذاتها مقوّمات انتفاضة الحوض المنجي الباسلة في 2008، وهي ذاتها المحركات الموضوعيّة للحراك المستمرّ لهذه الجهة وغيرها.
تعاقبت السّنوات وتغيّرت وجوه الحكم ؤأحزابها، غير أنّ المطالب والشعارات ظلّتا تقريبا دائمتا الحضور كما كانتا بل يمكن الجزم أنّهما مع كلّ نهوض جديد ازدادتا ألقا وحيويّة.
صرخات المعدمين في “الحاجب” تكاد تكون نسخة مطابقة الأصل من هدير بنات وأبناء “الرقاب” و”منزل بوزيان” الخ… تحت عصيّ الهراوات ورصاص الغدر زمن “بن علي”.
ذهب الأخير ومعه ردم الثائرات والثائرين شكل السلطة الدّكتاتوري غير أنّ “السيستام” أعاد ترتيب بيته وجمع قواه القديمة واستقطب عناصر إضافيّة ليواصل طريق الخيارات المعادية للشّعب والوطن بأشكال أكثر وقاحة وأتعاب فتح على فضائح مخزية لحكّام اليوم.
وفي هذا الصّدد تكفي ألإشارة إلى اعتصامات الدّكاترة المعطّلين والأساتذة النّواب وحراك عملة الحضائر وتتالي الإضرابات القطاعيّة والمحليّة الخ…
ذهب “طرابلسيّة” العائلة غير أنّ “السيستام” أنتج طرابلسيته الجدد أكثر عددا (عائلات، وأحزاب…) وأشدّ ولعا بالسّلطة ومغانمها وهو مايفسّر الحضور الدائم لشعار السّنوات الأخيرة “الشعب فد فد طرابلسية جدد”.
طرابلسية اليوم لا يديرون أرباحهم و”أفارياتهم” القذرة من الغرف المظلمة ووراء السّتار مثلما حدث سابقا بل من هياكل الدّولة ألأساسيّة ومن مواقع متّقدّمة أيضا تحت عناوين كاذبة تدور في أغلبها حول مكافحة الفساد والشفافيّة التي افتضح أمرها بشكل غير مسبوق مع رئيس الحكومة الحالي.
طرابلسية اليوم كالجراد يأتون على الأخضر واليابس ويديرون الشأن العامّ دون أدنى ضوابط قانونيّة وسياسيّة وبطبيعة الحال أخلاقيّة قيمية.
فالبلد عند أغلبهم غنيمة للنّهش حتّى في أشدّ أزماتها وأتعاب مواطنيها والبقاء في الحكم غاية
لا محيد عنها حتّى لو تعطلّت وانهارت هياكل الدّولة وشارفت على الإفلاس مثلما هو حاصل.
فـ”السيستام” يدور على رقاب العمّال والشغالين والسّواد الأعظم للشعب في الرّيف والمدينة ويقتات من مزيد إملاق الجميع وتعطيل نموّ قوى الإنتاج وتقكيك القطاعات المنتجة وتخريب النّسيج الاقتصادي ومزيد الارتهان الذليل للدّول الأجنبية والدوائر الماليّة النّهابة.
يحدث كلّ هذا مثلما أسلف تحت التّمويه بشعارات الثّورة وخرافة الحفاظ على المكسب الديموقراطيّ الذي تمّ تحويله بسطوة المال الفاسد وتوظيف الإعلام الخ… إلى مستنقع فساد وإفساد يلامس دون مبالغة مسار الرّشوة ألسياسيّة المؤسسة لنظام حكم مافيوزي.