عمار عمروسية
تسارعت في السّاعات القليلة الماضيّة أنباء الصّراع المحموم لمراكز منظومة الحكم ودخلت طورها الأشدّ قسوة وتعفنا بما يوحي بإمكانيّة حدوث تغييرات عميقة في المشهد السياسي الرّسمي.
إخوة الحكم وشركاء السلطة ألقوا بأحجارهم الثقيلة في مستنقع صراعهم على تحسين شروط قيادة شؤون البلد والتّربع على مؤسسات الدّولة.
ثلاثي الرئاسات نزع كلّ بروتوكولات التّعايش في إدارة حرب المواقع والمغانم حاضرا ومستقبلا.
مثلّث “برمودا” انفتح كما لم يحدث من قبل لابتلاع الدّولة والمجتمع المنهك بتفاقم آفات البطالة والفساد واشتداد الفوارق الاجتماعيّة والجهوية.
“نهضة” “الغنوشي” في بيان “مجلس شوراها ألأخير” طوت صفحة حكومة “الفخفاخ” وبشّرت بمشاورات الوليد الجديد الذي قابله “فيتو” قصر”قرطاج” الذي أسقط كلّ تصريحات كواسر “مونبليزير” في دوائر الكذب والافتراء المفضوح. فالهوّة أضحت سحيقة بين سيّد قرطاج ورئيس مجلس “باردو” وحكاية التّوافق بينهما أضحت شبه مستحيلة خصوصا بعد مسارعة “الفخفاخ”إلى اعتزامه إجراء تعديل حكوميّ في الأيّام القليلة القادمة. كلّ المؤشرات تدل على أنّه رمي لوزراء” النّهضة” خارج دفّة الحكومة مع مساعي كتل برلمانيّة إلى إزاحة “راشد الغنوشي” من كرسيّ رئاسة البرلمان.
قوى الحكم المتنفّذة دخلت طور كسر العظام وحسم خلافاتها بكلّ الطّرق والأسايب. فالغاية لجميعهم تبرّر الوسيلة والوقت يبدو أنّه أصبح ضاغطا على الكلّ مع تسارع المتّغيّرات الاقليميّة والجهويّة وخاصّة بالشقيقة “ليبيا”.
مؤسسات الحكم وخصوصا التّشريعيّة والتّنفيذيّة في حالة عطالة وعجز من المحتمل أن يزداد عمقا في قادم الأيام.
فالشّلل أصاب مجمل هياكل الدّولة من فوق إلى تحت ومظاهر الحركة الأساسيّة الوحيدة هي خصومات أضلع مثلث التّقهقر والانحطاط لقوى تقاسمت حتّى وقت قريب مغانم اقتسام السلطة بعد انتخابات 2019 زيادة على أنّ فوزها في ذاك الاستحقاق قد تمّ بإدارة تفاهمات بعضها معلن وبعضها الآخر مخفيّ.
فسيّد “قرطاج” غنم من وقوف “النهضة” و”ائتلاف الكرامة” معه في فوزه الكبير المفاجىء، وهما بدورهما ربحا من تلك المساندة.
وساكن “القصبة” مدين بمنصبه لرئيس الجمهورية وجميع أحزاب الحزام السياسي الذي ثبّت مَوقعه، شأنه في ذلك شأن رئيس البرلمان مع اختلاف بعض التّفاصيل.
جميع أظلع المثلّث الحاكم نهضت مع بعضها ضمن تفاهمات وحسابات مصالح دقيقة غير أنّها مرّت إلى التّنافر والقطيعة على مسائل لا تمّت بصلة إلى الحدّ الأدني من استحقاقات السّواد الأعظم من هذا الشعب.
فحرب “الفوق” هي معارك حول الحكم ومنافعه ضمن اصطفافات اقليمية ودوليّة ضاغطة على البلد والمنطقة عموما.
وحرب مراكز النّفوذ أسهمت في مفاقمة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد والعباد.
فمنظومة الحكم بجميع أركانها انقلبت إلى مولّد للمشاكل والأتعاب للمواطنات والمواطنين في المدن الأرياف على حدّ السّواء.
فالمنظومة تحت صراعات أطرافها فقدت حتّى الحدّ الأدنى من مشروعيّة وجودها الذي كان دوما مرتبطا بلعب دور رجال المطافئ زمن الحرائق.
فمنظومة الحكم الحاليّة تدفع بالبلد نحو تعدّد بؤر الحرائق الاجتماعيّة وتكاثرها غير مكترثة لا بمخاطر الإرهاب ولا بتزايد أطماع القوى الرجعية الأجنبيّة.