عمار عمروسية
انفرط عقد التّحالف الحكوميّ وتبعثرت جميع أوراقه تحت فضيحة من العيار الثقيل.
ومن المفارقات العجيبة أنّ السّقوط الدرامي لذاك البنيان السلطوي قد تمّ تحت نيران صديقة وبلهيب ماعون شعارات الخديعة والمغالطة المتمثلّة في محاربة الفساد وإرساء قيم الشفافية الخ.
سقط رئيس الحكومة في زمن قياسي وبفضيحة غير مسبوقة ليس مستبعدا بالمرّة بعد صدور التّقرير الأوليّ لهيئة الرقابة العامّة آن ينتهي ألأمر بـ”الفخفاخ” إلى المرور سريعا إلى أروقة المحاكم والسّجون أيضا كما لم يحدث مع من سبقوه خصوصا بعد قفز كلّ داعميه حتّى الرّمق الأخير من سفينة داعميه ووصول البعض منهم حدّ المسارعة بطلب تفويض صلوحياته مدّة تصريف الأعمال إلى غيره من الوزراء المتبقّين بعد إقالة فريق” النّهضة” واستقالة البعض الآخر.
خرج صاحب “الريشة” بلا ريش أمام وقائع فساد مخزية تؤكدّ بما لا يدع مجالا للشّك سقوط منظومة الحكم والدّولة التّونسيّة تحت قبضة أخطبوط آلة رهيبة للفساد والمفسدين.
فالأهمّ من هذا الخروج المستحق وغير المأسوف عليه، الإجابة عن الأسئلة التّاليّة:
من دفع بـ”الفخفاخ” إلى واجهة الحياة السياسيّة؟ ومن المسؤول عن هذا العبث؟ وأيّ حلول تنتظر البلاد؟
من المؤسف أنّ كلّ المنعرجات الحاسمة في ترتيب بيت الحكم ببلادنا لا يمكن فهمه بما هو ظاهر داخلي وما هو خارجيّ خفيّ.
فالظاهر أنّ استجلاب “الفخفاخ” اختيار رئيس الجمهورية بالأساس بعد اقتراح من حزبي”تحيا” تونس و”التيار الدّيموقراطي”. والأكيد أنّ وصوله إلى القصبة قد تمّ بنيله ثقة 120 نائبا هم في مجملهم أحزاب الحكم.
فالمسؤؤليّة السياسيّة والأخلاقية في ذلك التّكليف تقع على جميعهم. ولا أحد بإمكانه التّفصي من تلك المسؤؤليّة أو الادّعاء بأنّ أيّا كان منهم على جهل بملفات الفساد.
فالمنطق يفترض علم الجميع. وبعض الوقائع تؤكدّ قولنا. غير أنّ تغاضي الجميع عن تلك الفضائح كان لحسابات خاصّة تتعلّق بقطع الطْريق أمام الانتخابات المبكّرة وأمور أخرى.
مثلما أسلف، حيثيات الظاهر تدين الجميع في الاختيار السيء وما لحق البلاد والعباد من أضرار مازالت فاتورة تكلفتها مفتوحة.
والخفيّ في الاختيار بصمة “العكري” ويدها الطويلة في مستعمرتها القديمة-الجديدة.
فـ”الفخفاخ” جاء من سراديب مخابر تهيئة “الفتيان الذّهبيّين” بالعاصمة الفرنسية “باريس”.
“العكري” بارعة في صناعة الحكّام في مجمل القارّة الإفريقيّة واختصاص صناعتها لبلادنا في السّنوات ألأخيرة “رؤساء الحكومات”.
تضخهم في دواليب الحكم تباعا رغم تعدّد إخفاقات “فتيانها” فمن “مهدي جمعة” مرورا با’لشاهد”.
“العكري” تعرف مصالحها فيما تعتبره مجالها الحيويّ وتعدّ أسراب خدمها دون كلل أوملل وتضمن لهم الطّريق سالكا للعبور إلى “القصبة” بالاعتماد على طابورها الخامس في البلد مستعينة باختراقات كبيرة للسّاحة السياسيّة التّونسيّة تحت رقابة وجرّافات سفيرها فوق العادة ببلادنا.
قدوم “الفخفاخ” جاء من ثقب شديد المخاطر على الوطن وسيادته وبدفع من قوى معادية لمصالح تونس وشعبها.
والحقيقة أنّ هذا الثقب ليس مستبعدا أن يقذف من جديد واحدا من صنائعه ليستمرّ في طريق القبر المتسارع للمسار الثوري في تونس والدّخول العبثي في ملهاة تشكيل حكومة جديدة.
هذا الثقب وغيره من المنافذ المفتوحة للتدخلات الخارجيّة للقوى المتصارعة حولنا بالحديد والنّار يحمل العديد من المخاطر الكبيرة على تطوّر ألأوضاع السياسيّة في الأيّام القادمة.