عمار عمروسية
أفصح السيّد “المشيشي” عن طبيعة حكومته وأولوياتها واضعا حدّ السيل التوّقعات والتّخمينات التي رافقت مارطون مشاوراته المضحكة في “دار الضيافة”.
فكلّ حيثيات تكليفه وعلى الأخصّ نوازع ورغبات صاحب التّكليف كانت تدفع إلى الذّهاب هذه المرّة نحو نفض الأحزاب البرلمانيّة ولعب ورقة “حكومة الكفاءات” المستقلّة عن الأحزاب والمدعومة من نوّاب الأحزاب!!!
فالخيار المعلن أمس ليس بالحدث الطارئ والمفاجئ. فصاحب التّكليف نحت مسيرة فوزه الانتخابي ليس فقط من خارج الأحزاب وإنّما من ترذيلها والتّبشير بزوالها.
فحديث بعض قيادات أحزاب الائتلاف الحكومي (نهضة، حركة الشعب، التيار الدّيموقراطي) عن صدمة ذاك الإعلان يجانب حقائق الواقع ولا يمكن فهمه إلأّ في نطاق القراءات السياسيّة المغلوطة.
فرئيس الجمهورية كشف عن شطر الكأس المعدّ لـ”باردو” بما يمكّنه من استنساخ نفسه في “القصبة” ووضع اليد على السلطة التنفيذية، السّلاح الأمضى في مواصلة معاركه من أجل تثبيت دعائم الاستفراد بمقود البلاد حاضرا ومستقبلا.
فساكن “قرطاج” يدير تقريبا جميع السلطات (الرئاسية، الحكومية، تأويل الدّستور وفتاوي الشرع والدّين…) بما يعيد إلى الأذهان أسوأ فترات الحكم الفردي الاستبدادي التي ظنّ التّونسيات والتّونسيين وأدها إلى الأبد.
ومثلما أسلف، فالسيّد “المشيشي” قطع الطريق كلّه أمام جميع الطّامعين بالحكم من الأحزاب البرلمانية ولم يقبل حتّى أضحوكة “الحكومة الحزبية بوجوه من الصّف الثالث والرّابع”.
فهو-أيّ”المشيشي” مثل العسكري المطيع لأموامر “عرفه” الكبير يكيل سيل الصّفعات لأحزاب الولع بالحكم ضمن تمشّي فيه الكثير من الصّلف الذي يقابل بعلوّ التصريحات ووقائع الطّمع والذّل.
فحكومة اللاأحزاب أمر واقع وبرنامجها خارج الجدالات وسرك المشاورات مع الكتل النيابيّة وغيرهم مستمرّ في الفراغ وفي أحسن الحالات على هوامش لا قيمة لها.
فالمشهد سريالي وعبثي فالأحزاب تلهث وراء “دار الضيافة” التي حزمت أمرها نحو فريق الكفاءات الذّي سيمرّر بالضّرورة على تصويت مجلس نيابيّ أغلبيتهم من الأحزاب!!!!
سريالية المشهد السياسي في بلادنا ليس مستبعدا أن تصل ذروتها بنيل حكومة “المشيشي” ثقة البرلمان بعد جلسة عاصفة يغلب عليها النّقد والمعارضة الخ…
هكذا في ساحة سيّاسيّة مكتّضة بفيالق الوصوليين والانتهازيين من الأرجح أن تكون المقدّمات مناقضة للنّهايات تحت تبريرات الكذب والمغالطة من قبيل “المصلحة العليا للوطن) و”الحفاظ على التجربة الدّيموقراطية “!!!
فصول مشهدية العبث قد تفتح على نقيض السيناريو المذكور وتفتح على إسقاط الحكومة وبعثرة حسابات المكلّف والعودة إلى النّقطة الصّفر.
خيارات المتنفّذين محدودة وهي في الحالتين خطوة لتعميق الأزمة ألسياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة.
فكلّ مؤشرات تلك الأوضاع تدفع إلى الاعتقاد الجازم بأنّ شتاء منظومة الحكم سيكون عسيرا في ظلّ متغيّرات إقليمية ودوليّة متسارعة وإطلالة موجة ثانية أشدّ فتكا لفيروس كورونا.