ألفة بعزاوي
يخوض عمال شركة “تيسالكو- TUSALCO” بمعتمدية نصر الله من ولاية القيروان إضرابا مفتوحا عن العمل منذ 27 أوت 2020 بتأطير من نقابتهم الأساسية.
شركة “تيسالكو” هذه هي إحدى شركات الإحياء والتنمية الفلاحية التي تستغل 2700 هكتارا من الأراضي الفلاحية الدولية (على ملك الدولة) بموجب عقد كراء. هذه الصيغة التعاقدية تنظمها كراس شروط تضبط جملة من الالتزامات التي يتعهد بها المستثمر الخاص “لإحياء” هذه الأرض الفلاحية التي تعتبرها الدولة -زورا ومغالطة- أراضي لم تبرز طاقتها الإنتاجية بعد، وفي المقابل يتمتع المستثمر الخاص بجملة من الامتيازات التي توفرها الدولة بعنوان “إحياء الأرض” من قروض لسداد أجور العمال، كميات كبيرة من البذور للزراعة…
شركة “تيسالكو” تشغل حاليا 105 عاملا، أي ما يعادل 74% فقط من عدد العمال الذين التزمت بتشغيلهم ضمن كراس الشروط المبرم مع الدولة (ينص على تشغيل 141 عاملا). ورغم تمتع الشركة بكل امتيازاتها إلا أنها لم تلتزم لا بسداد مستحقات العمال ولا بالاستثمار فعليا في الأرض قصد تنميتها وإحيائها في ظل غياب رقابة حقيقية للجنة الجهوية لمتابعة الأراضي الدولية التي يبدو أنها متورطة في هذا الملف. الأمر الذي جعل عمال الشركة يخوضون في عدة مرات تحركات احتجاجية وإضرابات للمطالبة بمستحقاتهم المالية وحقهم في الترسيم… وفي كل مرة يحصدون الأدنى بعد تلكؤ من المستثمر وتدخل الطرف النقابي وتفقدية الشغل.
ما يميز التحرك الأخير هو وعي التجربة الذي راكمه العمال والذي جعلهم يتجاوزون مجرد المطالبة بسداد أجورهم ليطرحوا ضرورة تغيير كراس الشروط وفتح ملفات الفساد وصولا إلى المطالبة بافتكاك الأرض من هذا المستثمر وإسقاط حقه باعتباره استغل الأرض للاستثراء ونهب خيراتها ودمّر ثرواتها الحيوانية والنباتية وأوقف عمدا دورة الإنتاج بالشركة. كما رفعوا شعارات للمطالبة بتمكينهم من تسيير هذه الأرض من قبيل “الهناشير هناشيرنا…حقنا في تقرير مصيرنا”، “الثروة ملك المنتجين” ، “الأرض لمن يفلحها لا لمن ينهبها”… مقتنعين أنهم وحدهم ( كطبقة عاملة لا كذوات) القادرين على تنميتها فعلا وتنمية قطاع الفلاحة في الجهة بأكملها.
الدولة بدورها متورطة في هذا الفساد لا فقط من خلال التمسك باعتماد منظومة شركات الإحياء والتنمية الفلاحية التي أثبتت فشلها، بل من خلال تنصيبها لنفسها ناطقا رسميا باسم المستثمر الخاص وهو ما وقف عليه العمال المضربون في اللقاءات التي جمعتهم بمعتمد الجهة. هذا المعتمد الذي قال صراحة في لقاء أول جمعه بالعمال “المستثمر هذا ما ينجمو حد” وهو إقرار منه أن هذا المستثمر أقوى من الدولة!!! أما اللقاء الثاني الذي انعقد بالأمس 04 سبتمبر 2020 فقد حاول فيه المعتمد إقناعهم بالعدول عن تحركهم والعودة إلى العمل مقابل سداد كل مستحقاتهم المالية وهو ما رفضوه معتبرين أنّ المطلبين الثانيين هما أكثر أهمية.
تحرك عمال شركة “تيسالكو” هو تحرك يجب أن يلتف حوله طيف واسع من القوى الوطنية والديمقراطية بغاية إسناده ومزيد تجذيره وإعادة طرح ملف مهم على طاولة هذه الحكومات بعيدا عن الترهات التي يتم التداول فيها. وهو ملف الأراضي الفلاحية الدولية وبشكل أعم ملف الإصلاح الزراعي.
أيّ إصلاح زراعي يريده الشعب ويمكنه أن يعود بالفائدة على المجموعة الوطنية؟