جيلاني الهمامي
ترأّس هشام المشيشي، رئيس الحكومة اليوم، الأربعاء 30 سبتمبر 2020، أول اجتماع لمجلس الوزراء الجديدة استهله بكلمة لفتت انتباه كل المتابعين للشأن السياسي في بلادنا. فقد تضمنت هذه الكلمة جملة من الرسائل وجهها المشيشي بصورة صريحة لأعضاء حكومته وعلى سبيل التلميح لرئيس الدولة قيس سعيد.
ومن أهم ما جاء في هذه الكلمة قوله “أهيب بأعضاء الحكومة بضرورة التفاعل مع رئاسة الجمهوريّة وفق ما يليق بها بالإيجابية والسّرعة المطلوبة” وتأكيده على ضرورة “التنسيق والاستشارة المسبقة مع رئاسة الحكومة ثم الإعلام لاحقا بكلّ المسائل المثارة معها” وذلك “من أجل ملاءمة القرارات والإجراءات مع السياسة العامة”. وفي نفس الاتجاه ذكّر المشيشي وزراءه بأنّ “مخاطبة رئاسة الجمهورية” تتمّ “عبر المكاتيب والمراسلات التي تتمّ حصريّا عبر رئاسة الحكومة”.
والواضح أنّ رئيس الحكومة أراد في أول مناسبة يجتمع فيها بوزرائه “مجموعين” أن يضع الأمور في نصابها وأن يوضح لهم الضوابط التي تنظم علاقة الحكومة وأعضائها برئاسة الجمهورية. لكن وفي نفس الوقت وجّه تنبيها لقيس سعيد بضرورة التقيد بحدود صلاحياته وعدم المساس من “حوزة” الحكومة وفضائها.
والأكيد أيضا أنّ المشيشي اضطرّ إلى إلقاء هذا الخطاب ردا على ما حصل يوم لقائه برئيس الدولة بخصوص ما بات يعرف بمسألة “التعيينات” والتي تصدّرت اهتمامات الرأي العام طوال أيام. ولكن أيضا ردا على تواتر لقاءات رئيس الدولة بوزير العدل. فقد استقبل قيس سعيد وزير العدل الجديد، السيد محمد بوستة، في ثلاث مناسبات في غضون شهر سبتمبر، 4 و21 و29 سبتمبر. وحسب ما رشح من أخبار أنّ هذه اللقاءات ركزت على بعض ما سمي بـ”القضايا المعلقة” والتي يصر قيس سعيد على ضرورة قول القضاء فيها كلمته. وقد نشرت وسائل الإعلام إثر كل لقاء من اللقاءات المذكورة أنّ رئيس الدولة شدّد على ضرورة تطبيق القانون على الجميع.
اليوم إذن اختار المشيشي أن يردّ على قيس سعيد غير أنه اختار أن يتلافى في هجومه المعاكس ما عابه الجميع على سعيد. لقد حاول أن يظهر بمظهر “رجل الدولة” الذي يحترم المؤسسات و”المقامات” على حد سواء. ولكنه وفي ذات الوقت رجل الدولة الصارم الذي لا يقبل التعدي على صلاحياته.
والحقيقة أننا لو وضعنا تصريحات رئيس الحكومة في سياق سلسلة التصريحات والتصريحات المضادة من يوم المصادقة على الحكومة وأدائها اليمين الدستورية وما تلاها لوقفنا على حقيقة الصراع الذي لن يهدأ بين قطبي السلطة التنفيذية. وهو ليس غير وجه من صراع متعدد الأضلاع بين أقطاب منظومة الحكم ومكوناتها المؤسساتية والحزبية. وكما هو ملاحظ فكل “فعل” يتبعه “رد فعل” ويفتح على حلقة جديدة من صراع لن يتوقف كما قلنا إلآ بحل يرضي أحد هذه الأقطاب على الأقل ولكن يرضيه رضاء تاما.
وريثما يحصل ذلك علينا أن نتابع الحلقات القادمة من هذا المسلسل الذي سيزداد تشويقا بلا ريب.