عمار عمروسية
يبدو أنّ جائحة كورونا ببلادنا في طريق مفتوح لمزيد إلحاق الأذى بالشعب التّونسي، فوتائر سرعة الانتشار عالية جدّا وفي تصاعد مستمرّ ينذر بالخطر.
فأعداد المصابين قريبا قد تصل إلى 30 الف وأرقام الموتى قد تلامس 400 نفر!!!! والأنكى من ذلك أنّ المنظومة الصحّيّة توشك على استنفاذ جميع طاقاتها في الإيواء والمعالجة.
فالقطاع الصّحي العمومي المنهك بضعف الإمكانات البشرية والمادّية لمدّة عقود قد يجد نفسه خارج الخدمة في هذا الوضع الوبائي الخطير. فآخر بلاغ من وزارة الصحة بتاريخ 6 أكتوبر الجاري يحمل ضمنيا ومن وراء الأرقام المقدّمة تلك الدّلالات المخيفة.
فالمرضى المقيمين بالمستشفيات وصل إلى حدود 5 أكتوبر الجاري 452 والمقيمين بالعناية المركزة 124. أمّا من هم تحت جهاز التّنفس فهم 54 نفرا.
هذه الحصيلة وحدها ثقيلة على قطاع متهالك نتيجة إهمال المرفق الحيوي وهروب الدّولة إلى سياسات الخصخصة والتّوحش الليبيرالي والغدر بالجيش الأبيض وتركه تقريبا منزوع السّلاح في مواجهة هذه الجائحة ممّا جعل كلفة خسائره باهظة (حوالي 25 وفاة وأكثر من 1100 إصابة)!!! وفق آخر تصريح للسيّد “عثمان الجلولي” الكاتب العام للجامعة العامة للصّحة.
يحدث كلّ هذا والقادم وفق كلّ المؤشرات الموضوعيّة ينذر بالأسوأ خلال الأسابيع القادمة ومنظومة الحكم القائمة ماضية في معاركها الخاصّة بها وحدها.
فمراكز النّفوذ الأساسيّة الثلاثة (قرطاج، القصبة، باردو) منغمسة في لعبة خلط الأوراق وإعادة ترتيبها بما يضمن تعزيز سطوتها على جهاز الدّولة حاضرا ومستقبلا دون النظر إلى المخاطر الصّحية والاقتصادية والاجتماعيّة التي تنتظر السّواد الأعظم من الشّعب.
فالطّغمة الحاكمة أشاحت بوجهها عن مشكلات النّاس وسخّرت جميع جهودها لحسم معاركها الخاصّة وخدمة المصالح الطبقيّة لحفنة كبار الأثرياء والكمبرادور ضمن منطق الولاء للقوى الأجنبيّة.
فالطّغمة الحاكمة ورموزها لم تعد قادرة حتّى على استحضار ما فعله أسلافها من خلال الإقدام على بعض الإجراءات الشكلية لذرّ الرّماد على العيون.
فهي تتصرّف بعنجهية كبيرة في مجمل المشاكل التي تعصف بالبلاد تحت ذريعة الوضع الاقتصادي الصّعب.
فالجملة الأكثر ترديدا على أفواه المسؤولين منذ مدّة “لا مجال للعودة إلى الحجر الصّحي” وأهمّ الإجراءات لديهم “وضع الكمّامّات وتطبيق البروتوكولات الصحية”.
هكذا دوما يردّدون وهم يعرفون ندرة الكمامات وغلاء أسعارها وأكذوبة البروتوكولات الصّحية المعدّة في المكاتب الفاخرة بعيدا عن الواقع المعبش.
الطّغمة تركت شعبها في”الضحضاح” فأموال 18/18 تبخرت ولم يصل منها إلى المستشفيات العموميّة إلاّ القليل وقروض السنة الفارطة لمواجهة الكوفيد لا أحد يعرف أوجه صرفها.
والأنكى من ذلك شهوة الحكم إلى إعادة تنشيط عصيّ القمع وتشغيلها ضدّ الحراك الاجتماعي والناشطات
والنشطاء وإضفاء طابع شرعي على هذه الاستدارة الاستبداديّة من خلال العودة إلى عرض قانون زجر الاعتداء على الأمنيين.
فالاحتياط الضروري وفق منطق الطّغمة الحاكمة والأولوية الأولى هي تكميم الأفواه وخنق الحرّيات كلّ الحرّيات.