تحتل المرأة الريفية المرتبة الأولى في النشاط الفلاحي وهي تمثل العنصر الفاعل والأساسي في توفير المنتوج الفلاحي، وبالتالي في تأمين جزء مهم من الحاجيات الغذائية. وهي اليد التي تطعم الجميع.
وبالوقوف عند تجربة الحجر الصحي العام في بداية الجائحة سنلاحظ بسهولة أنّ المرأة العاملة في القطاع الفلاحي في الأوساط الريفية ظلت مستثناة من هذا الحجر. بل ممنوعة عنه وظلت تكابد الأمرّين لتوفر كل مستلزمات الحياة وهي التي تفتقر إلى أبسط ضرورياتها. فمقابل أجر زهيد وعمل شاق تنهض المرأة الريفية مع الفجر الأولى وتظل تعمل تحت وهج الشمس أو برد الصقيع حتى المساء مقابل حفنة دنانير لا تسمن ولا تغني من جوع. أمّا عن النقل فذاك شأن آخر. إذ أنّ المرأة الريفية مثلها مثل المحارب تحمل روحها على كفّها وتستقلّ شاحنات الموت يوميا ولا تدري متى وأين يترصدها الموت هي وزميلاتها. إذ أنّ التنقل الجماعي هو موت جماعي أيضا مادامت وسيلة النقل هي تلك الشاحنات التي تُحمَلن فيها مثلما تُحمل النعاج التي يقودونها إلى حيث الذئاب. ومن سيحميهن من خطر الذئاب؟ ومن خطر الحشرات والأفاعي والمبيدات وقسوة التربة والأغصان؟
أمّا تلك المرأة الريفية التي تتقن بعض الصناعات التقليدية وتسعى لتجد سبيلا للعيش الكريم فتجد نفسها ضحية السماسرة الذين يشترون بضاعتها بأبخس الأثمان ليبيعوها بأعلى سعر مستغلين جودتها وقلة حيلة صانعاتها… وأكثرهنّ حظا ستجد نفسها في معرض لبيع جهدها أو حفل فلكلوري يحضره المسؤولون للتفاخر “بالأصالة والعراقة والنكهة التونسية”.
هذا واقع المرأة الريفية التي تمثل عصب الحياة الفلاحية وبغيابها تتعطل دواليب الإنتاج. فماذا أعدّت الحكومات المتعاقبة للمرأة الريفية صاحبة الفضل الكبير علينا جميعا؟ إذا نادينا بالمساواة في الميراث فإنّ أوّل من ستستفيد منه هي المرأة الريفية وأوّل من سيعارضه هم كل أصحاب العقول الاقطاعية حتى وإن لبسوا جبة الحضارة.. وطبعا أرباب المال والأعمال الذين لا يريدون بالمرأة الريفية خيرا – ولا بالإنسانية خيرا- تلك الكادحة التي نجدها دائما تعمل أجيرة في أرض هي غالبا من حقها وإن حصلت على ميراثها كاملا يمكن أن تحقق استقلالها الاقتصادي وصعودها الاجتماعي ولن تبقى في حاجة إلى مشاريع التمكين الوهمية التي تبقى حبرا على ورق أمام واقع يقرّ بملكية الأرض لغير المنتجين.
إنّ دور المنظمات النسائية والجمعيات الحقوقية وكل نفس حر هو تفعيل الدعوة للمساواة في الإرث ومزيد التمسك به مطلبا شرعيا دستوريا إنسانيا مشروعا وعادلا.. لأنّ العدل ليس مصطلحا فضفاضا ولا يعوّض بحال مفاهيم العدالة الاجتماعية ولا يعوّض المساواة التي يقرّها الواقع رغم إنكار الناكرين.
إنّ استيلاب الحقوق وتعميق مفهوم الاغتراب والإمعان في الاضطهاد وفرض مضامين الاستعمار الجديد لا يمتّ بصلة إلى واقع متحرك لم يعد لأحد أن ينكر معه أنّ المرأة لم تخلق للبيت والمطبخ والغسل والطبخ، ولا هي وجدت للاستعباد في الحقول والمزارع والمصانع أو التهميش في ورشات بدائية صغيرة لا آفاق لها.
أمّا في انتظار تحقيق هذا المطلب الذي نريده معا وسنحققه، فيجب تقنين عمل المرأة في الحقل أوّلا بتحديد ساعات العمل وضبط أجر واضح تتساوى فيه مع الرجل، إلى جانب تسوية قضية التغطية الاجتماعية والصحية حتى يتسنى للمرأة الريفية العلاج والحصول على تقاعد مثلها مثل غيرها من الأجراء وأن يكون ذلك بوسائل ناجعة وعملية وليس عبر بيع الأوهام والاقتطاع من الأجور الموسمية التي يأكل السماسرة نصفها وبالكاد يبقى منها ثمن “الخبزة”.
وحتى يتحقق لها كل هذا يجب أن تُحترم إنسانيتها وذلك بتوفير نقل لائق يضمن لها الراحة ولا يبقى شبحا يهدّد حياتها… فهل هذا قليل على من تمثّل مكوّنا بالغ الأهمية في البناء الاقتصادي لدولة بأسرها؟ بل هو أبسط حقوقها على دولة هي من أوّل من يضمن بقاءها واستمرارية الحياة فيها مثلها مثل بقية الأجراء والأجيرات والكادحين والكادحات.. المنسيين والمنسيات.
عيدة بن يوسف بالصادق