“عدِّل عدّل الاتفاق لا تسويف ولا نفاق” هكذا صرخت حناجر عمال الحضائر منذ الإعلان عن الاتفاق الأخير المبرم بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة والقاضي بتسوية وضعية من لم يتجاوز سن 45 سنة، وتسريح من تجاوز هذا السن من عمره إلى حدود سن 55 مع تعويض مالي، ومواصلة من تجاوزت أعمارهم الـ55 سنة العمل إلى حين بلوغهم سن التقاعد ليتحصلوا على جراية المعوزين…
ومنذ ذلك الإعلان دخل عمال الحضائر الذين هم خارج الاتفاق في تحركات احتجاجية رافضين لهذا الاتفاق الظالم ومطالبين بتعديله..
احتجاجات في كل الولايات واعتصام أمام البرلمان رافعين شعارات تطالب بتعدليل الاتفاق وإنصافهم في عملية التسوية..
وفي ولاية القصرين تخوض هذه الفئة تحركات واحتجاجات متواصلة إلى اليوم بمفترق حي الزهور وقطع للطريق من أجل حقهم في مواصلة عملهم وتسوية وضعياتهم..
إنّ هذا الاتفاق المعلن الذي أنصف الآلاف من عمال الحضائر وكان حلا لمعضلة المعضلات وحلحلة ملف التسوية الذي طال انتظاره إلاّ أنه ظلم وأقصى آلاف أخرى من هذه الشريحة الهشة التي سخرت حياتها لمدة ما يزيد عن عشر سنوات لخدمة البلاد والمؤسسات والمجتمع بمقابل لا يحفظ كرامتهم… وهو يمثل إهانة وإذلالا لهم.. صمدوا سنين من أجل نيل حقوقهم المهضومة وتحقيق حلمهم المنتظر، حلم التسوية.. وخلال فترة انتظاره وصمودهم وتضحياتهم عملت الدولة على استغلالهم وسدَّت بهم شغورات المؤسسات وأسدوا خدمات أعوان مترسيمين وقارين.. اشتغلوا بساعات عمل تفوق بكثير ما تنصّ عليه القوانين والأعراف. لكن اليوم تخلت عنهم ورمتهم إلى جحيم البطالة وشبح الجوع في إتفاق ضرب عرض الحائط بحق الشغل والعيش الكريم، كان الاتحاد العام التونسي للشغل طرفا فيه…
ربما الطرف الاجتماعي المفاوض حقق ما يمكن تحقيقه وأنقذ ما يمكن إنقاذه من عمال الحضائر ولكنه بقي عاجزا أمام تعنت الحكومة وقوانينها الظالمة لإنصاف البقية.. فمن المؤكد أنّ الاتحاد العام لتونسي للشغل كان في حجم المسؤولية ولا يمكن تحميله ما آلت إليه الأوضاع بل من الضروري اليوم تحميل المسوؤلية للطرف الحكومي الغاصب لحقوق عمال الحضائر،
مطروح على هذه الشريحة اليوم مزيدا من التنظم ورص الصفوف من أجل فرض تعديل الاتفاق بما يحفظ كرامة الآلاف منهم من المظلومين والذين تم استغلالهم والعبث بمستقبلهم ومستقبل عائلاتهم..
إنّ المطروح اليوم على عمال الحضائر الذين هم خارج دائرة الاتفاق عدم التراجع عن مطالبهم والاحتجاج في كل مكان وتوجيه سهامهم للسلطة الظالمة حتى ينالوا كل حقوقهم…
كما هو مطروح على كل نفس حر وكل القوى التقدمية مساندة المظلومين أينما كانوا، وعلى الاتحاد العام التونسي للشغل الرجوع فورا لتبني مطالب عمال الحضائر والضغط من أجل تعديل الاتفاق بما يرضي ضحايا التشغيل الهش والاستغلال..
إنه كان من الأجدر على السلطة أن تعوض للمحتجين عن سنوات الاستغلال والظلم، لا أن تستثنيهم من اتفاق التسوية، الذي صُودرت من خلاله حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية..
فمزيدا من الصمود ومزيدا من التنظم يا عمال الحضائر.. وتأكدوا أن بصمودكم ستنالون ما تريدون… فهذه السلطة لا تستجيب إلاّ تحت الضغط المتواصل… فإلى الأمام
ونشدُّ على أياديكم بحرارة
كــمـال فـارحـي