عمار عمروسية
تتّجه البلاد بخطى متسارعة نحو مأزق شامل وخطير. فحيثيات التّقهقر تتزايد يوميّا في المجالات السيّاسية والاقتصادية والاجتماعية بما ينذر باقتراب مآلات ذاك التّدحرج من سيناريوهات مخيفة وغير مسبوقة.
فمشاعر القلق وحتّى الخوف من القادم تكاد تكون القاسم المشترك بين الأغلبية السّاحقة من التّونسيات والتّونسيين وعلى الأخصّ في الأوساط العمّالية والفلاحيّة الفقيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى عموم الأجراء والمهمشين.
فالخوف من تفاقم الوضع الوبائي ينزل بأثقاله على المزاج العام لتلك الأوساط والخوف من ضياع موطن الشّغل ومورد الرّزق يسمّمان أدّق تفاصيل الحياة اليومية لأصحابه.
ولعلّ ما يزيد في قلق الجميع ويسهم في توسيع مساحات المخاوف وإشاعة الحيرة من القادم هو بقاء منظومة الحكم رغم تبدّل الوجوه على نفس الخيارات والمقاربات القائمة على تعميق الفوارق الطبقية والاختلالات الجهويّة تحت غطاء المفردات البائسة لقاموس التّوظيف الديماغوجي لشعارات “المصلحة العليا للوطن” و”خدمة الشعب” الخ…!!!
فالأزمة السياسيّة بين الرئاسات الثلاث لم تعد خافية على أحد وتداعياتها على أداء أجهزة الدّولة والمجتمع بارزة للعيان وحتّى هدوء حمم قصورها الثلاثة هذه الأيّام هو ظرفي وقد يحمل المستقبل القريب فصولا جديدة من معركة الكراسي والتّفرد بقيادة البلاد.
مثلث “برمودا” في أعماق البحار لا تنقطع شاهيته عن ابتلاع كلّ عابر من مدار مياهه في الأسفل أو الفوق ومثلث قصور الحكم دائم الولع بمعارك غنائم السلطة والرّكوب على رقاب الشعب حتّى وإن كان الثّمن ذهاب البلد في سيناريوهات كارثية.
فالوضع الوبائي بفوارق كثيرة قد يكون مماثلا لما يعرف بالسيناريو الإيطالي، ذلك أنّ بلادنا وفق أرقام وزارة الصحة المعلنة تتضمن الحصيلة التّالية ليوم 4 مارس :
– عدد الإصابات 66334 حالة.
– الوفيات 1577حالة.
– المقيمين بالمستشفيات 3110
– العناية المركزة 269
فهذه الحصيلة منظور إليها ضمن ضعف المنظومة الصحّيّة العموميّة وتفصّي القطاع الخاصّ من لعب دوره دون مقابل مالي يفترض من منظومة حكم قليلة الارتباط بشعبها أن تسارع إلى تعديل أوتارها وترتيب أولوياتها لتّجنّب مزيد الخسائر البشرية بمناسبة حلول الشتاء، لا ملازمة الفرجة والاستمرار في ترويج الأوهام من قبيل “الأوضاع تحت السيطرة “و”الوضع دقيق ولا يدعو إلى القلق”!!!.
فالوضع الوبائي حاليّا وبفرضيات تطوّره لاحقا ليس فقط مقلقا، بل هو مخيف تحت منظومة حكم غارقة حتّى العنق في “حروبها” الخاصّة وخاضعة بالتّمام تقريبا لهيمنة حفنة من كبار الأثرياء ولوبيات الفساد التّي أحكمت قبضتها الغليظة على مفاصل الدّولة وشرايين الاقتصاد الأساسيّة.
فالحكومة التي تمثّل الجهاز الأساسي لتنفيذ السياسات العامّة للسلطة تفتقر إلى أبسط مقوّمات الخطط الملموسة لمواجهة “كورونا” و لوقف التّدهور الاقتصادي والمالي.
فهي تراوح بين دور المراقب عن بعد لما يحصل وتسابق الوقت للحفاظ على ديمومتها بين حزامها الدّاعم الذي قد يتحوّل بسرعة انقلاب المصالح إلى حزام ناسف.
فحكومة السيّد “المشيشي” تبدو عاجزة عن مسايرة الأوضاع الصّعبة في كلّ المجالات وهي دون مبالغة أصغر بكثير من إنقاذ تونس ولو في الحدود الدّنيا.