حبيب الزموري
أبرم طرفا الصراع الرئيسيان في ليبيا يوم 23 أكتوبر الفارط اتفاقا دائما لوقف إطلاق النار بعد مفاوضات مكثفة في مقر الأمم المتحدة بجينيف استمرت خمسة أيام بين الوفدين الليبيين المتكوّنين من خمسة ضباط ممثلين عن حكومة السراج ومثلهم يمثلون الجيش الليبي التابع لخليفة حفتر. ولئن كان هذا الاتفاق ليس الأول من نوعه لوقف إطلاق النار فإنّ عدة مؤشرات تدلّ على إمكانية وضع توقف الصراع المسلح في ليبيا على الأقل في بعده الشامل، أبرزها عجز كلا المعسكرين على حسم الصراع المسلح وعدم استعداد القوى الإقليمية والدولية الداعمة لكلا المعسكرين عسكريا ولوجستيا لتحمّل تكلفة هذا الصراع وتأجيل موسم جني الغنائم إلى ما لا نهاية.
أهم بنود وقف إطلاق النار الدائم:
نشرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نسخة من اتفاق وقف إطلاق النار الدائم الذي وقّعه طرفا النزاع الليبي المنخرطان في اجتماعات اللجنة العسكرية 5+5:
اتفقت اللجنة العسكرية 5+5 على الوقف الفوري لإطلاق النار ويسري ذلك من لحظة توقيع هذا الاتفاق.
إخلاء جميع خطوط التماس من الوحدات العسكرية والمجموعات المسلحة بإعادتها إلى معسكراتها بالتزامن مع خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية برّا وبحرا وجوّا في مدة أقصاها 3 أشهر من تاريخ التوقيع على وقف إطلاق النار وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج طواقم التدريب إلى حين استلام الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها، وتكلّف الغرفة الأمنية المشكلة بموجب هذا الاتفاق باقتراح وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة تكفل تأمين المناطق التي تم إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة.
اتفقت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 على تشكيل قوة عسكرية محدودة العدد من العسكريين النظاميين تحت غرفة يتمّ تشكيلها من قبل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 تعمل كقوة تساهم في الحد من الخروقات المتوقع حدوثها، على أن يتمّ توفير المواد اللازمة لتشغيلها من كافة الأطراف والجهات.
تبدأ فورا عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها على كامل التراب الليبي سواء التي تمّ ضمّها للدولة أو التي لم يتمّ ضمها، ومن ثمّة إعداد موقف عنها من حيث (قادتها، عدد أفرادها، تسليحها، أماكن تواجدها) وتفكيكها ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها وبشكل فردي إلى مؤسسات الدولة ممّن تنطبق عليه الشروط والمواصفات المطلوبة لكل مؤسسة وبحسب الحاجة الفعلية إلى تلك المؤسسات أو إيجاد فرص وحلول لمن لا تنطبق عليه الشروط أو لمن لا يرغب بهذا الدمج، من خلال لجنة فرعية مشتركة بدعم ومشاركة البعثة.
إيقاف التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية المتفشي حاليا من قبل مجموعة من قنوات البث المرئي والمسموع والمواقع الإلكترونية، وتدعو الجهات القضائية والجهات المختصة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تكفل ملاحقة جادة ورادعة لتلك القنوات والمواقع، كما تدعو بعثة الأمم المتحدة إلى اتخاذ الإجراءات اللاّزمة. ولهذه الغاية قررت اللجنة العسكرية المشتركة إنشاء لجنة فرعية منبثقة عنها لمتابعة خطاب الكراهية ومتابعة الإجراءات اللاّزمة بحقها، كما قررت اللجنة توجيه رسالة مباشرة إلى كافة قنوات البث المرئي والمسموع لعدم بث أية مادة إعلامية تتضمن مثل هذا النوع من الخطاب.
اتفقت اللجنة على فتح الطرق والمعابر البرية والجوية على كامل التراب الليبي على أن يتم اتخاذ الإجراءات العاجلة بفتح وتأمين الطرق التالية:
الطريق الساحلي بنغازي سرت مصراتة طرابلس.
مصراتة أبو قرين الجفره سبها غات.
ج طريق غريان الشويرف سبها مرزق.
ولهذه الغاية تدعم اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 المقترحات التي خلصت إليها لجنة الترتيبات الأمنية المشتركة التي اجتمعت في مدينة الغردقة المصرية يومي 28 و29 سبتمبر 2020، وتدعو إلى وضع ترتيبات لتأمين المرور الآمن للمدنيين وقوافل التموين والمنظمات الإنسانية عبر تلك الطرق وفقا لما يلي:
– تشكيل غرفة أمنية مشتركة على رأسها ضباط الشرطة الذين شاركوا في اجتماعات الغردقة لاقتراح وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة تكفل المرور الآمن عبر الطرق المشار إليها والطرق الأخرى بكامل التراب الليبي وكذلك المناطق التي تمّ إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة.
– يتمّ اختيار رئيس الغرفة ومعاونيه وتحديد واجباتهم من قبل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5.
– إخلاء الطرق المستهدفة من أيه قوات عسكرية أو مسلّحة بمجرد مباشرة القوة المشتركة لمهامها.
– تتولى قيادة القوة المشار إليها تشكيل القوة المناط بها تأمين الطرق على أن يتمّ ذلك عبر وضع معايير الكفاءة والخبرة والانضباط موضع التنفيذ.
– اتفقت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 على تكليف آمر حرس المنشآت النفطية في المنطقة الغربية وآمر حرس المنشآت النفطية في المنطقة الشرقية ومندوب المؤسسة الوطنية للنفط بالتواصل وتقديم مقترح حول إعادة هيكلة وتنظيم جهاز حرس المنشآت النفطية بما يكفل استمرار تدفّق النفط وعدم العبث به ورفع المقترح إلى اللجنة العسكرية المشتركة 5+5.
إيقاف القبض على الهوية أو الانتماء السياسي واقتصار الملاحقة والقبض على المطلوبين جنائيا وإحالتهم إلى الجهات المطلوبين لديها.
اتفقت اللجنة على اتخاذ التدابير العاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية أو القبض على الهوية وذلك بتشكيل لجان مختصة من الأطراف المعنية.
في ظل الأجواء الإيجابية السائدة وعوامل الثقة التامة ستقوم لجنة 5+5 بالاشتراك مع فريق البعثة بإعداد آلية لمراقبة تنفيذ هذا الاتفاق.
لا يسري وقف إطلاق النار على المجموعات الإرهابية المصنفة من قبل الأمم المتحدة على كافة الأراضي الليبية.
توصي لجنة 5+5 وتحثّ البعثة على إحالة اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع من لجنة 5+5 إلى مجلس الأمن لإصدار قرار لإلزام كافة الأطراف الداخلية والخارجية بتنفيذه.
تضارب المصالح يؤدّي إلى تضارب ردود الفعل الدّوليّة حول الاتّفاق
لئن اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” أنّ اتفاق وقف إطلاق النار “خطوة أساسية نحو السلام والاستقرار” في البلاد، مضيفًا خلال مؤتمر صحفي: “أهنّئ الفرقاء لتغليبهم مصلحة أمّتهم على خلافاتهم”. فإنّ قادة الدول المتورطة في النزاع الليبي تميزت بالتناقض حيث صرّح وزير الخارجية الألماني مباشرة إثر التوقيع على الاتفاق بأنه “يبشّر بالتحوّل عن السير من المنطق العسكري إلى السير وفقًا للمنطق السياسي”. وسارعت مصر إلى التذكير بدورها في الوصول إلى هذا الاتفاق عبر تذكير الناطق باسم وزارة الخارجية بأنّ “النجاح الذي تحقق اليوم جاء استكمالًا لأوّل اجتماع مباشر استضافته مصر في الغردقة نهاية سبتمبر الماضي”. أمّا الرئيس التركي “أردوغان” فقد اعتبر أنّ “اتفاق وقف إطلاق النار اليوم لم يتم في الحقيقة بأعلى المستويات، بل بمستوى أقل”، مضيفًا: “يبدو لي أنه يفتقد إلى المصداقية”.
كما هو واضح انفرد نظام “رجب طيب أردوغان” بالتشكيك في جدوى هذا الاتفاق بالنظر إلى حجم الامتيازات التي جناها من الدعم العسكري واللوجستي المقدم لحكومة فائز السراج وهو متخوف من انعكاسات هذا الاتفاق على الاتفاقيات العسكرية والتجارية التي أبرمتها تركيا مع حكومة السراج والتي منحت الاقتصاد التركي جرعة من الأوكسيجين في ظل الأزمة التي يمرّ بها، حيث أودع مصرف ليبيا المركزي مبلغ 08 مليار دولار في البنك المركزي التركي في شهر جوان الفارط لمدة أربع سنوات دون فوائد للمساعدة في تحقيق الاستقرار لليرة التركية. كما تقدمت الشركة الوطنية للبترول بطلب للحصول على تصاريح للتنقيب عن الغاز في ماي الفارط للحد من العجز الطاقي المتفاقم الذي تعاني منه تركيا التي بلغت تكلفة وارداتها الطاقية 40 مليار دولار سنويا، بالإضافة إلى منح عقود استثمار للشركات التركية لا سيّما العاملة في قطاع البناء والمقاولات. وينتظر الأتراك أن تناهز هذه الاستثمارات 28,6 مليار دولار.
ليس من المبالغة اعتبار أنّ أهم عامل دفع القوى الرأسمالية الكبرى في العالم وتحديدا البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على طرفي النزاع في ليبيا لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار الدائم هو حجم الغزو الاقتصادي المدجج بالسلاح الذي انطلقت تركيا في شنّه منذ بداية العام عبر سلسلة من الاتفاقات والامتيازات نظير نجدتها لحكومة فائز السراج. وهو ما من شأنه تهديد المصالح الاقتصادية للبلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تهديدا مباشرا وهي التي تنتظر بفارغ الصبر ترتيبات الوضع النهائي في ليبيا لشنّ هجومها التجاري الكاسح. فهي تبحث بدورها عن أيّ متنفس لاقتصاداتها المأزومة منذ 2008 والتي تفاقمت أزمتها بفعل تداعيات الأزمة الوبائية.
كما أنّ رفع الحصار عن المناطق المنتجة للنفط وعودة نسق الإنتاج إلى وتيرته من شأنه التأثير على أسعار النفط في السوق العالمية نحو مزيد من الانخفاض.
اتّفاقيات مملاة من الخارج لا مصلحة للشعب الليبي فيها
رغم حرص الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين على إخراج الاتفاق الدائم لوقف إطلاق النار في ليبيا إخراجا احتفاليا وتزويق ردود الفعل حوله بلغة ديبلوماسية منمّقة فإنّ هذه الاحتفاليات لم تستطع إخفاء ما ينتظر ليبيا من صراعات سياسية قابلة للانفجار في أية لحظة والعودة إلى الاحتكام للسلاح. فرهانات الاتفاق المبرم بين طرفي النزاع هي نفسها رهانات الحرب الأهلية التي ذهب ضحيتها آلاف الليبيين، ألا وهي احتكار ناصيتي الثروة والسلطة في ليبيا مهما كانت التنازلات التي سيقدمها مركزا السلطة في طرابلس أو في بنغازي بما فيها التنازل عن السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني الليبي. وليس من المستبعد أن تكون أولى ثمار هذه التسويات الملغومة التحاق ليبيا بمسار تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني لا سيما أنّ أغلب الأطراف الإقليمية المتدخلة في ليبيا إلى جانب هذا المعسكر أو ذاك تشترك في تطبيعها مع الكيان الصهيوني سواء تعلق الأمر بتركيا أو مصر أو الإمارات أو قطر…
إنّ الغائب الأكبر عن هذه الاتفاقيات هو الشعب الليبي الذي تم استنزاف قدرته على تحمل الوضع القائم لتهيئته لقبول أيّ اتفاق يضع حدّا للدمار المحيط به من كلّ جانب حتى لو كانت ضريبة ذلك الاتفاق فقدان سيادته على ثرواته وعلى قراره. كما أنّ تمسّك كلّ طرف من أطراف النزاع في ليبيا بشبكة تحالفاته الإقليمية والدولية يعمّق هشاشة هذه الاتفاقات ويجعلها رهينة لتوتر العلاقات الإقليمية والدولية.