لا يخفى على أحد ما تشهده ولاية القيروان من تنامٍ حاد للجريمة ومن تفاقم عمليات الانتحار. ويبقى من أسبابه الرئيسية انتشار الفقر المدقع والتهميش. كما أنّ لهذين السببين عامل أساسي بمثابة حجر الزاوية، ألا وهو الانقطاع المبكر عن الدراسة.
وبدوره هذا الركن الأساسي له عديد العوامل المساعدة والمدعّمة له، منه مشكل النقل العمومي والمدرسي بصفة خاصة..
فمنطقة هنشير بيشي بمعتمدية القيروان الجنوبية تعاني من صعوبة التنقل منذ سنوات..
وعلى سبيل الذكر لا الحصر يجب على أبنائها من الطلبة والتلاميذ
التواجد بالمحطات منذ الساعة السادسة صباحا، تخيلوا ذلك في فصل الشتاء وبرده القارس..
رغم أنّ وجهتهم (معهد رقادة) لا يتجاوز مسافة العشرة كيلومترات..!!!
فالبرمجة الرديئة وسوء تسيير الشركة الجهوية للنقل بالقيروان،
مع الإهمال والتهميش تجعل من هذه المنطقة من الأوائل في الانقطاع المبكر عن الدراسة..
زد على ذلك، ففي العودة المدرسية لسنة 2020-2021 قامت وزارة التربية بإنشاء مدرسة إعدادية بمنطقة الخضراء والتي تبعد ستة كيلمتر على المنطقة المذكورة أعلاه (هنشير بيشي).. وتم الاتفاق مع شركة النقل بأن تتكفل بنقل أبناء الجهة صباحا والرجوع بهم بعد الدراسة مساء. وجندت إدارة الشركة جحافل من المراقبين والمسؤولين الإداريين لتنفيذ المشروع.
لكنهم قاموا فقط بدور رقابي تجاري هدفه البحث عن الربح، لا توفير خدمات للمواطنين.
إذ وصل الحد في بعض الحملات منع العديد من التلاميذ امتطاء الحافلة إلاّ بعد استخراج بطاقة اشتراك مدرسي. وامتثل الأولياء لذلك ووفروا سندات نقل، وحدهم يعلمون كيف وفّروها.
لكن المريب في ذلك أنّ الشركة لا توفر لهم النقل إلاّ صباحا. أمّا المساء كما روى أحد الأولياء فجلهم إمّا يعودون سيرا على القدمين أو يستقلون النقل الريفي (نقل جماعي) وهو ليس مجاني، أو أنهم يضطرون إلى الوقوف على قارعة الطريق ينتظرون رحمة إحدى العربات الخاصة (stop). وهذا ما حصل لتلميذة في سن الرابعة عشر تفتقد للمال ومتعبة من عناء يوم كامل في المعهد لم تكن قادرة على الرجوع على أقدامها..!!!
هذه ماهي إلاّ حقائق لنموذج من معاناة أرياف القيروان التي مازادها مسؤولوها سوى تفقير وتهميش.
فيحرم أبناؤها من أبسط حقوقهم الدستورية، الحق في تعليم عمومي لائق.
فعن أيّ عدالة بين الجهات وبين كل فئات الشعب يتحدثون؟
إسماعيل الظاهري