مازالت البطالة تمثل معظلة المعظلات ومشكلة المشكلات بالنسبة إلى المعطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية. وظلت أعدادهم في تزايد بعشرات الآلاف سنويا. وفي المقابل تواصلت سياسات الحكومات المتعاقبة منذ عقود وخيارتها المعادية لطموحات المعطلين وآمالهم المتمثلةأساسا في التشغيل والعيش الكريم. هذا فضلا عن الصعوبات والعراقيل التي يتعرض إليها المعطلون عن العمل الذين يرغبون في الانتصاب للحساب الخاص رغم الترويج لتسهيلات مزيفة ووهمية في هذا الإطار لتبقى أحلام المعطلين عن العمل مؤجلة إلى حين.
ومع شعور جيوش المعطلين عن العمل باليأس والإحباط المتنامي وتعطشهم ورغبتهم الملحة والمشروعة في الشغل والعيش الكريم.
ظهر في الصورة النائب عن حركة النهضة ورئيس لجنة التربية بمجلس نواب الشعب وروّج لنفسه كمنقذ للمعطلين من جحيم البطالة. واشتغلت ماكينة حزبه والصفحات الموالية له لمزيد الترويج لهذا الساحر العجيب والنادر الذي سيقطع بعبقريته دابر البطالة لدى شباب تونس المعطل. وروّج أنه بصدد الإعداد لمشروع قانون يتمكن من خلاله المعطلون من القطع النهائي مع البطالة والبؤس الذي عاشوه طيلة عشرات السنوات.
وأمام تنامي هذه الدعاية الزائفة والوهمية انساق وراءه مئات المعطلين تناغما مع حملة الترويج حتى تمت المصادقة النهائية على القانون من قبل مجلس نواب الشعب. ونشر بالرائد الرسمي واستبشر المعطلون وزرع فيهم الأمل من جديد. وسارع النائب بعد ذلك بعقد اجتماعات مع المعطلين عن العمل بمقرات حزبه في عديد الجهات بتعلة توضيح وتفسير القانون. في حين أنّ القانون لا يستحق تفسيرا ولا توضيحا. فهو يشمل من طالت بطالتهم لأكثر من عشر سنوات ومن تجاوز من العمر 35 سنة حتى وإن لم يقض من البطالة عشر سنوات وفرد من كل عائلة جميع أفرادها معطلون عن العمل. فماذا عساه أن يوضح والحال أنّ أغلب من يوضح لهم هذا القانون هم أكثر دراية منه بالمسائل القانونية ومستواهم العلمي يفوقه بكثير. ثم إنّ الإصرار على عقد مثل هذه الاجتماعات بمقر حزبه فهو توظيف سافر لهذا الملف ولعموم المعطلين خدمة للأجندة السياسية لهذا الحزب.
وفي غفلة من المعطلين لم يعد النائب بلقاسم حسن رئيسا للجنة التربية واختفى عن الأنظار. وبقي المعطلون في حيرة وبدأ الشك يشق نفوسهم وبدأ ذلك الأمل ضبابيا حتى جاء مشروع الميزانية الذي كشف الستار عن تلاعب هذا النائب بمشاعر المعطلين وطموحاتهم وعن كذب ما ادّعاه.
إنّ هذا الطلب لم يكن بالمطلب الجديد، بل هو مطلب طرحه اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل منذ سنة 2012 وطالما ناضل من أجله أبناء المنظمة. ولكن ظل تفاعل الحكومات معه دون المأمول. ولئن اعتبر اتحاد المعطلين أنّ هذا القانون خطوة إلى الأمام نحو إنقاذ فئة معينة من المعطلين. إلاّ أنه شكّك في مدى جديته وأهدافه الحقيقية وطريقة طرحه. ودفع بكل ما في وسعه من أجل أن ينال مصادقة البرلمان في وسائل الإعلام وحركاته الاحتجاجية. ولعل أبرزها التحرك المركزي يوم 10 جوان الماضي للمطالبة بالتسريع في تمريره على الجلسة العامة.
وقد تبيّن للمتابعين لهذا الملف أنه ملف مسيّس وأهدافه سياسية وبعيد كل البعد عن الدفاع المبدئي عن المعطلين وحقهم الدستوري في شغل يحفظ كرامتهم خاصة من خلال تركيز المروّجين لهذا العبقري على التهجم على اتحاد المعطلين وقياداته في محاولة لضربه وضرب ثقة المعطلين فيه ومزيد تقسيم المعطلين وشق صفوفهم، مغيبين في ذلك الهدف الأسمى ألا وهو التشغيل.
فكيف يمكن لنائب شعب أن يطرح مثل هذا الموضوع والحال أنّ حزبه كان شريكا في تجميد الانتدابات منذ سنة 2018 بإملاءات من صندوق النقد الدولي. كيف يمكن أن تشغل عشرات الآلاف من المعطلين والحال أنّ التزامات الدولة تمنع التوظيف؟؟
ويأتي هذا التصور العقيم في إطار استغلال الطاقات الشبابية التي انخرطت في حملة قيس سعيد والاستفادة منها في محطات سياسية وانتخابية لاحقة.
وهنا يمكن أن نلخص أهداف المشرفين على هذا المشروع في النقاط التالية:
1 – ضرب اتحاد المعطلين وضرب ثقة المعطلين في منظمتهم الأم.
2 – مزيد تقسيم المعطلين وتشتيتهم.
3 – استغلال المعطلين ومحاولة تنظيمهم لمزيد التحكم فيهم واستغلالهم لأغراض سياسية.
4 – الترويج لحزب حركة النهضة كونه المنحاز لقضايا الشعب والحال أنهم من خربوا البلاد وجوّعوا العباد.
ومع اتضاح الصورة أكثر يوما بعد يوم خاصة مع قانون ميزانية 2021 الذي غيب مسألة التشغيل ليبقى هذا القانون حبرا على ورق وتتضح نواياه الخفية لدى العديد من ظنوا أنّ حلمهم في طريقه نحو التحقق وبدأت اعترافاتهم تظهر خاصة في علاقة بمواقف اتحاد المعطلين ومناضليه. وأمام اتضاح الصورة عند أغلب المعطلين حول
مدى جدية الحكومة في تفعيل قانون 38/20 فإنه مطروح اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى الالتفاف حول منظمتهم الأم اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ومزيد رص صفوفهم والتنظم صلب هياكله المحلية والجهوية من أجل الضغط على الحكومة لفرض تنفيذ هذا القانون الذي يمكن أن ينصف الكثيرين. وما عدا ذلك فهو هراء ولن يرى حلمهم النور، إيمانا منا بأنّ النضال المنظم والمدروس هو السبيل الوحيد لنيل الحقوق.
ليكن المعطلون أكثر تنظما ووحدة حول مشاكلهم ومعاناتهم اليومية خاصة في ظل توجهات السلطة المعادية للشعب. وليكن اتحاد المعطلين الحاضنة الوحيدة والشرعية لعموم المعطلين.
كــمال فـارحـي