عمار عمروسية
يبدو أنّ انتصار الكامور على العجرفة الحكوميّة وسياسات التّفقير والمماطلة قد حرّك مثلما توقعنا سواكن الكثير من طالبات وطالبي الحقوق في جهات مختلفة من بلادنا.
فالبرك السّاكنة تحتاج دوما إلى حجر حتّى وإن كان صغيرا ليحرّك مياهها وويدفعها إلى السيلان والتدّفق. فالحركة الاجتماعيّة والشعبيّة ببلادنا لم تغادر مطلقا ساحات النضال المطلبي ولم تفقد حتّى في أسوإ فترات التّراجع والجزر خمائر الرّفض والغضب الذي وجد ترجمته الملموسة في أعمال وأنشطة احتجاجيّة متّفرّقة محدودة التّوسع الجغرافي والبشري.
فجذوة النضال الاجتماعي كانت على الدّوام حيّة، إلاّ أنّ اشتعال نيرانها طورا وخفوتها طورا آخر ارتبط في أغلب الأحيان بعوامل ذاتيّة (الوعي، فعل العنصر الواعي…) وبعناصر موضوعية فيها الإجراءات الحكوميّة المتوحشة وبعض الجوائح الطبيعية الخ…
نسمات انتصار الكاموريين وما رافقها من لغط إعلامي أذكى مشاعر المهمشين والمقصيّين اجتماعيّا وألهب حماسة طالبي الحقوق وفتح “تونس” اليوم على بدايات واعدة من طور جديد لنهوض الحركة الاحتجاجيّة.
فمدينة “توزر” عرفت مسيرة حاشدة جابت شوارع البلدة منادية بالتّشغيل والتّنميّة والقطع مع أشكال التشغيل الهشّ.
ومدينة “الكاف” وضعت نفسها على سكّة مقاومة الحيف الاقتصادي والغبن الاجتماعي من خلال مسيرة شعبيّة جمعت قطاعات عريضة من الأهالي.
وفي الضفّة الأخرى شهدت “سيدي بوزيد” أمس حضور حشود الغاضبات والغاضبين في شوارع المدينة لينتهي الجميع في ساحة الشهيد “البوعزيزي” بتصميم الاستمرار وتوسيع الحراك الذي تلقّفه شباب بوزيان ونصبوا خيامهم على السكّة الحديدية.
في “الشابة” منذ الصّباح الباكر وتحت أنظار الجميع نفذّ المئات من الشباب قوارب “الحرقة” هروبا من غطرسة رئيس الجامعة التّونسيّة لكرة القدم وقراره الجائر في حقّ جمعية المكان.
هكذا تتعاظم فضائح نظام الحكم فمن “حرقة” الجياع إلى “حرقة” الظلم الكرويّ.
وقائع الغضب المتصاعد تصل حقول النّفط في “قرقنة” وبئر الغاز بـ”قبلي” وبطبيعة الحال مقاطع الفسفاط بـ” قفصة” والمجمع الكيميائي بـ”قابس”.
فالبلاد من الشمال إلى الجنوب تغلي بأوجاع الطبقات والفئات الاجتماعيّة المتضررة من الخيارات الاقتصادية والاجتماعيّة النيوليبرالية المتوحشة.
فالمقهورين والمحتاجين ينهضون لنفض الغبار عن أنفسهم وعن مطالبهم المشروعة.
ينهضون على إيقاع “فانة” الكامور وانتصار الحراك ويشرعون باكرا في رسم ملحمة قد تكون قادمة.
فشعب الشتاء من الممكن جدّا أن يقلب الطّاولة من جديد ويعيد الأمور إلى نصابها.