عمار عمروسية
تتسارع وتائر الحراك الاجتماعي والشعبي وتكتسب مع كلّ يوم جديد ليس فقط مساحات جغرافيّة إضافيّة وإنّما طاقات بشريّة هائلة تدفع إلى الاعتقاد بمزيد تضييق الخناق على منظومة الحكم القائمة.
فمعزوفة المعدمين وطالبي الحقوق تتقوّى بخطى ثابتة ومتسارعة لتفرض لحنها الهادر على الجميع بما في ذلك بعض دوائر الجهات المتنفذة في الحكم التي شغّلت أدوات هيئات المطافئ لاختراق هذا النّهوض وخنقه إمّا بقوّة الآلة الدعائية القائمة على التّشوية وحشر الحراك في متاهات مفاوضات العبث والتّسويف وإمّا بسطوة العصيّ الغليظة وإشاعة الخوف.
والملفت للإنتباه أنّ حكومة السيد “المشيشي” لم تفلح بكلّ وسائلها “النّاعمة” و”الخشنة” في تطويق بؤر الاحتقان الاجتماعي، بل على النّقيض من ذلك فقد لعبت من النّاحية الموضوعيّة دور الملهب لكرة النّار التي تدحرجت من نهايات منازلة “الكامور” وتطايرت شضاياها إلى جهات أخرى مثل “توزر” و”الكاف” و”قبلي” الخ… وقفزت يوم أمس إلى ولاية الفقر والشهداء “القصرين” وتحديدا معتمدية “العيون” حيث سارع المئات من معدميها إلى تطويق حقل “الدولاب” البترولي ونصب خيام اعتصامهم تمهيدا لخطوات لن تبعد كثيرا عن وقائع” فانة” الكامور ضمن مؤشرات حراك مواطني داعم في بلدة” فوسانة”وتململ يعتمل في نفوس أهالي “ماجل بالعباس” و”فريانة” المحدّقة عيونهم نحو أنبوب الغاز القادم من الشقيقة “الجزائر” نحو “إيطاليا”.
لهيب الحراك الاجتماعي يتمدّد وسط عجز حكومي مفجع وضمن معارك مستمرّة لمراكز نفوذ المنظومة الحاكمة على رقاب التّونسيّات والتّونسيّن حاضرا ومستقبلا.
فشبيبة “دوار هيشر ” أطلّوا بسواعدهم القويّة وحناجرهم العاليّة لوضع حدّ لمظالم الحيف الاجتماعي والتّهميش في أكبر أحياء العاصمة وغير بعيد عن مراكز الحكم وأحياء الرّفاه الثراء الفاحش.
حراك اليوم سجّل دخول فئات اجتماعيّة جديدة إلى ساحات النضال فيها قطاع القضاة وإضرابهم الطويل (3 أو 5 أيّام) وفيه الاستعدادات الحثيثة لنقابة الصحفيين لمباشرة حراكها الجامع بين الإضراب العام لمدة 3 أيّام والوقفات الاحتجاجيْة مركزيّا وجهويّا.
فهذه المؤشرات وغيرها كثير (اعتصام الدكاترة المعطلين، حراك المفروزين أمنيّا وعملة الحضائر والأساتذة النْواب الخ…) تدفع إلى الاعتقاد بمزيد تضييق الخناق على منظومة الخراب الاقتصادي والاجتماعي والقتل العمد من خلال مقاربة مهزوزة ومتوحشة لجائحة كورونا.
فشعب الشتاء ينهض ويستجمع قواه قبل حلول أمجد فصول السنة مرفوقا هذه المرّة بغضب الفنانين ونقابتهم ورائحة قنابل “الأكريموجين” التي عطّرت ساحة “القصبة” صباح اليوم لتشتيت المحتجين.
جميع فتائل الأزمة تتشابك لتنزل بأثقالها على ضحايا منظومة الحكم بما يفضي على الحراك الاجتماعي أبعاده الوطنية والشعبيّة.