منذ هروب الطاغية وسقوط النظام البوليسي، كنا نأمل في تحقيق أهداف الثورة. وذلك بتوفير الشغل لآلاف المعطلين عن العمل وكنا نتطلع إلى تحقيق حرية الرأي وحرية النقد والتعبير ، كما كنا نطمح إلى تحقيق السيادة الوطنية للتخلص من التبعية لصندوق النقد الدولي وللدوائر الستعمارية. إلاّ أننا أُصبنا بخيبة أمل كبيرة حين تمكنت منا الثورة المضادة وتبخرت أحلامنا ليصيبنا الإحباط ودخلنا في نفق مظلم وعزاؤنا أنّ في آخر النفق بصيص نور تعلق بمكسب الحرية.
ومع الحكومات المتعاقبة بدأت تظهر بوادر التراجع عن هذا المكسب، إذ مع كل حكومة نزداد يقينا أنّ الحريات هي المستهدفة وأنّ كل المؤشرات تنبئ بعودة النظام البوليسي. وها أنّ حكومة المشيشي اليوم أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها ماضية في خنق حرية التعبير والحق في الاحتجاج. فلقد تعامل البوليس بوحشية لفض الاعتصامات والاحتجاجات التي انتشرت من شمال البلاد إلى جنوبها. وبالأمس تمّ فضّ اعتصام الفنانين بالقصبة بالقوة العامة، ممّا يعني أنّ حكومة المشيشي جادة في ضرب حرية التعبير وفي العودة إلى مربع القمع والاضطهاد.
وأمام الصمت الرهيب لوسائل الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب النيابية تحت قبة البرلمان ما على الشعب سوى الانتفاض والعودة إلى الشارع لفرض “السلطة للشعب” على أرض الواقع. كما ليس على القوى الديمقراطية والتقدمية سوى النهوض من سباتها لمواجهة هذه الحكومة حتى لا نعود إلى الخنوع والذل أمام تنامي ظاهرة القمع البوليسي والذي يوحي بعودة الدكتاتورية وقبر الحريات.
عبدالباسط زقية