66 سنة مرت على الملحمة المجيدة… ملحمة 21 نوفمبر 1954 بجبل الناظور بماجل بعلباس وجبل سيدي عيش، استشهد خلالها 25 بطلا من أبناء الوطن من بينهم 15 مقاوم من ماجل بلعباس من ولاية القصرين.. أبطال واجهوا المستعمر الفرنسي الغاشم بصدور شبه عارية، واجهوه بمجرد بندقية صيد وكثير من الشجاعة والإيمان بأنّ النصر سيكون حليفهم عاجلا أم آجلا.. وفي الجهة المقابلة جيش الاحتلال مدجج بأسلحته الثقيلة المتطورة المدمرة ،طائرات، دبابات، قنابل، رشاشات وجيوش شربت من كأس التدريب ما يكفي لربح نصف شوط من المعركة وشربت في المقابل من كأس اليأس والجبن ما يكفيها للهزيمة النكراء بعد سنوات.. هزيمة فمغادرة لأرض الوطن ليرفرف العلم التونسي عاليا ويرفع الثوار شعار النصر في كل مكان من الوطن…
الذكرى 66 لمحلمة جبال الناظور وسيدي عيش هي كغيرها من الذكريات الماضية… إحياء للذكرى بحضور مسؤولين محليين ونادرا مسؤول جهوي وبعض المواطنين المهتمين بالذكرى وتشكيلة أمنية لا تتجاوز أحيانا العشرة أعوان يؤدون تحية العلم على طريقتهم ثم يغادرون…
يقام الاحتفال بالنصب التذكاري للشهداء في المدخل الشمالي للمدينة أين توجد مقبرة الشهداء…
احتفال بساعة أو ساعتين على أقصى تقدير ثم ينصرف الجميع وتبقى الذكرى فقط في أذهان عائلات الشهداء وقلة من الأحرار.. أما السلطة، فتحضر الذكرى في أذهانها عشية يوم 20 نوفمبر من كل عام حين تعلمهم مجموعة، وأحيانا فرد بأنّ يوم غد هو يوم الذكرى المجيدة… ليتصدروا يوم غد المشهد. وتنتهي الذكرى لديهم مع انتهاء آخر ملعقة من الكسكس وآخر سلك لحم من مسلان الخروف الذي أعدّه أهل الخير والكرم من بلدتي وعادة من عائلة أحد الشهداء أو المقاومين الذين مازالوا على قيد الحياة. هكذا جرت العادة في بلدة الكرم والجود…
ثوار كانوا، وثوار مازالوا في أذهاننا وسيظلون، وسنورث ذكراهم المجيدة للأجيال، جيلا بعد جيل…
هم ثوار رحلوا، رحلوا لأجل أن نعيش نحن بعيدا عن الاستعمار، على الأقل الاستعمار المباشر… رحلوا… بل استشهدوا من أجل أن تكون تونس دولة حرة مستقلة… استشهدوا من أجل قضية نبيلة.. لهم الشرف بذلك.. ولنا الشرف بأنهم أجدادنا… ولكن…
استشهدوا ثم بعد سنتين تحقق حلمهم… ولكن للأسف لا التاريخ أنصفهم ولا الدولة أنصفتهم… لم تنصف الشهداء ولم تعتن بالثوار الذين بقوا على قيد الحياة وبدأوا في الترجل الواحد تلو الآخر حتى قلّٓ عددهم..
حتى مجرد الاحتفال بالذكرى تأكدوا أنه إذا لم يحرص عليها البعض من أبناء البلدة كل سنة ستمر دون أن نشعر بذلك.. أليس هذا نكران لجميل أبطال استشهدوا من أجل أن نعيش نحن؟؟
أ ليس من الأجدر أن يكون يوم 21 نوفمبر من كل سنة احتفالا وطنيا عظيما؟ بل عذرا، من يحق له الاحتفال، السلطة التي لم تنصفهم، أم الأهالي؟ من الأحق بالاحتفال؟
في اعتقادي، بل من الملاحظ أنّ السلطة تتلخص لديها كل تلك العملية العظيمة في نصب تذكاري نقشت أسماء الشهداء على رخامه وتحية العلم ثم المغادرة… مغادرة إلى أين ..؟؟ … أهكذا سيتتواصل تكريم الأبطال منا؟
السلطة، بل النظام الذي لم ينصف الأبطال ممن استشهدوا منهم وممن بقوا على قيد الحياة، لا يحق لهم الظهور في مثل هذه الذكرى المجيدة..
ليكن يوم 21 نوفمبر من كل سنة يوما وطنيا لملحمة جبال الناظور وسيدي عيش..
مازال الوقت لم يفُت بعد حتى تنصف الدولة والتاريخ أبطال ماجل بلعباس.
كـمـال فـارحـي