الأزمة تتعمق ورقعة الاحتجاجات تتسع لتشمل جهات عديدة من البلاد، فبعد الكامور القصرين، قفصة، قابس، الكاف، القيروان جندوبة، توزر، الحوض المنجمي، سيدي بوزيد… وقطاعات وفئات مختلفة من المعطلين عن العمل، الدكاترة، القضاة، الأطباء، أعوان العدلية، الصحافة، الفلاحين، القيمين، الفنانين أصحاب الهمن الليلية، خريجي التنشيط الشبابي والرياضي، الحضائر المقصيين من الاتفاق الأخير، المفروزين أمنيا، المعنيين باتفاقيات سابقة مع الدولة…
جهات وقطاعات وفئات مختلفة كلها تحتج في الآونة الأخيرة من أجل مطلب وحيد تقريبا هو العيش الكريم. إنّ الدافع الوحيد لأغلبية الشعب المضطهد والمفقّر للخروج للشوارع والساحات للمطالبة بالعيش الكريم تحت عناوين مختلفة هو فشل السياسات المتعاقبة في تحقيق الحد الأدنى المطلوب من طموحات الشعب وشعاراته التي رفعها إبان الثورة المجيدة والتي مازال إلى اليوم يردّدها..
فكلّ حكومات ما بعد الثورة نحجت بامتياز في الضرب بعرض الحائط بآمال الشعب وطموحاته المشروعة والمتمثلة أساسا في الشغل والحرية والكرامة الوطنية.
إنّ الخيار الأرعن والأعرج للسلطة ساهم بشكل مباشر في تأجيج الوضع وتحفيز الشعب أكثر من أيّ وقت مضى نحو استكمال المسار الثوري وتحقيق الشعار الأبرز للثورة.. خيارات سياسية عقيمة، معادية للشعب بل معادية للوطن، أهدافها الأساسية:
ـ مزيد تفقير الشعب وتجويعه، لأن في تفقيره وتجويعه يسهل حكمه والتحكم فيه ويضمن لهم التستمرار في السلطة أكثر.
ـ توفير أكبر عدد ممكن من جيوش المعطلين عن العمل، لأنّه من خلال توفير احتياطي اليد العاملة يتمكن أصحاب رأس المال من التحكم في كلفة الإنتاج ومزيد ابتزاز العمال واستغلالهم وهضم حقوقهم أكثر.
ـ العمل على إفلاس وتخريب المؤسسات الحكومية بطريقة ممنهجة تمهيدا للتفويت فيها، لأنّ إفلاسها والتفويت فيها يخدم مباشرة المافيا من رأس المال واستفادتهم تكون مباشرة ( على سبيل الذكر لا الحصر، قطاع الصحة، التعليم، النقل، النبوك… هذا فضلا عن القطاعات الاستراتيجية الأخرى مثل الاتصالات والمؤسسات الاقتصادية الحكومية المنتشرة هنا وهناك…).
ـ العمل على تعفين المشهد السياسي من أجل عزوف الشعب عن متابعة الشأن العام. وهذا يفتح لهم المجال أكثر للعبث بالبلاد ومصالح العباد.
ـ رهن البلاد للدوائر المالية الأجنية والانبطاح أكثر للعمالة، وهو ما من شأنه أن يخلق لهم حزاما خارجيا داعما لهم.
إنّ كل هذه الممارسات العبثية وغيرها التي تمارسها السلطة، واتساع رقعة الاحتجاجات يوميا تبشّر بانفجار شعبي عظيم سيعصف بمنظومة الحكم المرتعشة، وكل المؤشرات تبشّر أيضا بأنّ شتاء صيفيا شديد الحرارة سيحلّ قريبا لتكتوي بناره حكومة العمالة والفشل، خاصة بعد توجّه أغلب الحركات الاحتجاجية نحو تعطيل الثروات الوطنية وبسط يد الشعب عيلها، من الكامور إلى دولاب القصرين إلى سرڨاز ماجل بلعباس، إلى ماء سبيطة، إلى رخام تالة، إلى فسفاط قفصة، إلى غاز قابس. إنّ هذا التوجه الذي اختاره أبناء الشعب بعد أن فقدوا الأمل في الحكام هو التوجه الأنسب والأسلم لهم، وهو ما جعل السلطة اليوم ترتعش وترتجل وتبادر باجتماعات وزارية خاصة ببعض الجهات التي تمثل خطرا بالنسبة إليها (مجالس لن تأتي بالجديد هدفها امتصاص الغضب لا غير).
إنّ التمشي المعتمد والسياسة المتبعة للحكومة هي أبعد ما يكون عن طموحات الشعب ومشاكله الأساسية، فالشعب في واد والحكومة في خندق، وشتان ما بين الواد والخندق. حكومة زادت من مأساة الشعب ولم يسلم منها سوى أتباعها النافذين الذين يؤمّنون بقاءها في السلطة. البلاد على صفيح ساخن، الكل يحتجّ والكل غاضب، منهم من صرّح بغضبه ومنهم من ينتظر اللحظة الحاسمة.. وهو ما جعل الحكومة ترتعش، بل ترتعد من اتساع موجة الاحتجاجات ونوعيتها.. إنّ كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تؤكد أنّ السلطة ساقطة لا محالة، ساقطة عاجلا أم آجلا، لكن متى ستسقط؟ فالوضع لم يعد يحتمل وجودها وكل يوم يمرّ إلاّ وتزداد معاناة الشعب، كل يوم يمرّ إلاّ والسلطة تمضي أشواطا في رهن البلاد و تفقير الشعب، كل يوم يمرّ إلاّ وجرائم عدة تُرتكب في حق البلاد، ومن دور الشعب اليوم هو التسريع في نهاية منظومة الحكم وذلك عبر الاحتجاجات في كل مكان وكل قطاع ومختلف فئات المجتمع. فالشوارع والغضب وإسقاط منظومة الحكم هو السبيل الوحيد للخلاص من حكم الفساد
فلنسرّع في ترحيلهم،وإلى الثورة، ولتكن السلطة للشعب…
كــمــال فــارحـي