تشهد منطقة ماجل بلعباس التابعة لولاية القصرين خلال هذه الأيام تحركات احتجاجية على خلفية تراكم المطالب الاجتماعية التي لم تلق تفاعلا من سلط الإشراف وخاصة في ما يتعلق بموضوع السرقاز sergaz المنتصبة بالحدود مع الجزائر وتحديدا على خط التماس -أولاد مرزوق- وتأتي هذه التحركات الاجتماعية في وقت تخلّت فيه هذه الشركة العملاقة عن تعهّداتها تجاه كامل المعتمدية بحسب المحتجين.
تجدر الإشارة إلى أنّ شركة ضخ الغاز sergaz تعمل على نقل الغاز من الجزائر الشقيقة عبر أنبوب يقطع الأراضي التونسية على امتداد 370 كم ليصل إلى إيطاليا ومنها إلى بعض دول أوروبا الشرقية في مسافة جملية تساوي 2500 كم، في جهة تحرس الخاصرة الغربية للبلاد التونسية، تتعايش المتناقضات: ماجل بلعباس، التي يتجاوز عدد سكانها 25000 ساكن هي منطقة حدودية ذات امتداد تاريخي وجغرافي مهم. قدمت هذه المنطقة 17 شهيدا في موقعة سيدي عيش الشهيرة ضد الاحتلال الفرنسي وذلك في معركة 21 نوفمبر 1954.
وكان عدد سكانها لا يتجاوز 1450 وظلت هذه المنطقة خارج اهتمامات الدولة لعقود طويلة. منطقة حبلى بالدلالات، دلالات التهميش والضيم والغبن والنسيان. في منطقة تبلغ مساحتها 95400 هكتارا، تنتصب شركة ضخ الغاز منذ سنة 1978 وتمنح سنويا للبلاد التونسية أكثر من 540 مليارا. غير أنّ معتمدية ماجل بلعباس تتذيل الترتيب الوطني في التنمية باعتبارها خامس أفقر المعتمديات من مجموع 264 معتمدية.
وهو ما زاد في تنامي الشعور بالظلم والحرمان لدى كل سكان ماجل بلعباس. في ماجل بلعباس يكافح الناس من أجل تجاوز آثار الجفاف والتصحر والفقر والبطالة رغم أنّ هذه المنطقة تحتلّ أولى المراتب الوطنية والمغاربية والعالمية في الفلاحة البيولوجية. فعلى مساحة 3500 هكتار مخصصة للفستق، أصبحت ماجل بلعباس الأولى وطنيا والثالثة عالميا في إنتاج الفستق والثالثة عالميا في إنتاج زيت الزيتون. وقد تحصلت سنة 2019 على الميدالية البرنزية في اليونان. هذا وتُقدّر المساحة الجملية المخصصة لغراسة الزيتون بأكثر من 2700 هكتار بحسب مصادر من خلية الإرشاد الفلاحي.
يُذكر أيضا أنّ إنتاج اللوز في هذه المنطقة يشهد ارتفاعا خلال السنوات الأخيرة.
لكنّ ضعف الإمكانيات وانعدام الأسباب الموضوعية لممارسة النشاط الفلاحي وتخلّي الدولة عن دورها تجاه الفلاح، جعل الوضعية الحالية لأغلب الفلاحين صعبة جدا خاصة وأنّ عملية الرّيّ تقوم أساسا على اعتماد الصهاريج أمام غياب الآبار العميقة أو حتى السطحية لتسهيل عملية الفلاحة وهذه مفارقة أخرى. فماذا لو أولت الدولة عناية بالقطاع الفلاحي في هذه المنطقة التي تنظّم سنويا مهرجانا وطنيا لإنتاج الفستق الذي يباع بأبخس الأسوام جرّاء توافد المحتكرين؟ من جهة أخرى، لابد من الإشارة إلى أنّ عدد خريجي الجامعات التونسية بماجل بلعباس كان قد فاق في موفّى السنة الدراسية الفارطة 2019 -2020، 1800معطلا.
وهو رقم كبير جدا يعكس درجة الغضب واليأس التي تترجمها التحركات الأخيرة. مئات من الشباب المعطل عن العمل يتأبطون ملفاتهم يبحثون عن ذواتهم المتناثرة وقد فقدوا الأمل في أن يظفروا قدر الإمكان ببعض الدنانير حتى يتمكنوا من الارتقاء بمستوى عيشهم.
في ماجل بلعباس، تنعدم كل أشكال الحياة، لا فرع بنكي واحد ولا صوناد ودار خدمات ولا غيرها. فحتى الموزع الآلي اليتيم للبريد معطل وتسبب في خسائر للحرفاء حيث تمّ اقتناؤه في صفقة مغشوشة. ويذكر في ذات السياق، أنه بتاريخ 23 ديسمبر 2020 انتظم اجتماع خاص بممثلي الأعراف للمنطقة حضره كبار “العرش” (أبناء سيدي تليل) في خطوة تصعيدية تحضيرا للاتجاه إلى نقطة ضخ الغاز على الحدود مع الجزائر ومن أبرز المطالب التي أجمع عليها الحاضرون:
– ربط كامل المعتمدية بالغاز الطبيعيgaz de ville –
– إيفاء شركة السرقاز بكل تعهداتها المنوطة بعهدتها تجاه معتمدية ماجل بلعباس بما فيها مسألتي التنمية والتشغيل وهي جوهر الموضوع.
– تطبيق ماجاء بالقانون عدد 35 المؤرخ في 11جوان 2018 الذي أمضى عليه الباجي قايد السبسي بخصوص المسؤولية المجتمعية للشركات العمومية والخاصة تجاه محيطها وذلك ببعث صندوق للتنمية وتوفير منحة الخطر وكذلك منحة الإشعاع لكل مواطني ماجل بلعباس.
أمام ارتفاع وتيرة الاحتجاجات، يبدو أنّ أصحاب القرارات لا يتفاعلون إلاّ مع لغة الاحتجاجات وإلاّ بماذا نفسّر تجاهلهم لمطالب جزء من ولاية اتفق الجميع على أنه دفع فاتورة باهظة جرّاء السياسات الخاطئة الممنهجة؟
الناجي شعباني