علي البعزاوي
أطلّ علينا المدعوّ صالح مصباح، بمقال في جريدة “الشروق” ص3، بتاريخ 29 ديسمبر 2020، بعنوان “إلى الرفيق حمه الهمامي” يكيل له فيه وابلا من الاتهامات المستفزة التي لا تليق بسياسي ولا بإعلامي نزيه. وقد استعمل المعني مفردات اعتدناها من أعداء حزب العمال وخصومه في أوقات ومناسبات مختلفة غابت فيها الحجة وحضرت الرغبة في التشويه.
إنّ هذه الأساليب التي أصبحت شائعة في أيامنا هذه في مختلف وسائل الإعلام وفي الشبكة الاجتماعية لا تقدم في شيء النقاش حول أوضاع البلاد ولا يمكنها لي عنق الحقائق. فالخلاف بيننا وبين أشباه كاتب المقال المذكور، سياسي بامتياز والخوض فيه لا بدّ أن يكون سياسيا حتى يتبين المتابعون الخطأ من الصواب والوجاهة من الصلف.
أوّلا، وقبل كل شيء لا بدّ من التأكيد أنّ حمة الهمامي لا يعبّر من خلال مواقفه وتصريحاته عن مواقف شخصية خاصة به. بل عن مواقف حزب العمال الذي يشغل خطة أمينه العام، وبالتالي فإنّ كل تهجم أو افتراء أو تشويه لحمة الهمامي هو استهداف لحزب العمال ومناضلاته ومناضليه.
ثانيا، حمة الهمامي وحزب العمال لم يتغيبا عن المشهد ولم يناما مثلما تدّعي بل كانا حاضرين من خلال الوسائط الإعلامية المختلفة ومن خلال الحراكات الشبابية والنسائية والقطاعية والجهوية والمحلية سواء كحزب أو كمبادرة وطنية ساهم حزب العمال في تأسيسها إلى جانب قوى وشخصيات وفعاليات أخرى منذ اندلاع الأزمة الوبائية الأولى والهدف هو الدفاع عن صحة التونسيات والتونسيين وعن حقهم في الشغل والعيش الكريم.
ثالثا، حزب العمال عارض ويعارض كل المنظومة وفي مقدمتها حركة النهضة باعتبارها الحزب الحاكم الأول الذي يتحمل المسؤولية الأكبر في تدهور أوضاع البلاد التي تعيش على وقع أزمة شاملة وعميقة. وبيانات الحزب والمبادرة الوطنية وتصريحات الأمين العام حمة الهمامي تؤكد هذا الموقف. والمطروح من وجهة نظر الحزب هو إسقاط كل المنظومة باعتبارها سبب الأزمة وعنوانها الأساسي لا الاكتفاء بحزب النهضة رغم مسؤوليته الأولى مثلما سبق توضيحه. إنّ الاكتفاء باستهداف النهضة يعتبر موقفا أعرج في السياسة لا يمكن أن تنجرّ عنه حلولا جدرية لفائدة الشعب والبلاد وهو خدمة جليلة للقوى الرجعية المسماة زيفا حداثية والتي لا تقلّ خطورة عن الإخوان.
رابعا، إنّ الدعوة إلى إسقاط المنظومة شعبيا لا ينفي عملنا من أجل سدّ الباب أمام الرجعية العائدة ممثلة في الحزب الدستوري الحر سليل التجمع المنحل الذي لا يختلف من حيث البرنامج والخيارات عن منظومة الحكم. فالدستوري الحر يعبّر طبقيا عن مصالح البورجوازية الكمبرادورية وعن مصالح كبرى المؤسسات والقوى الاستعمارية المهيمنة على تونس ومصالح الرجعية الإقليمية المتربصة بثورة الشعب التونسي والتي يدعم جزء منها (الإمارات – السعودية…) الدستوري الحر ضد حركة النهضة المدعومة من تركيا وقطر.
إنّ صراع الدستوري الحر ضد حركة النهضة لا علاقة له بمصالح الشعب التونسي ولا يمكنه توفير الشغل والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. بل هو صراع من أجل السلطة يمكن استثماره من قبل قوى الهيمنة الأجنبية لللانقضاض على الثورة التونسية والعودة بها إلى المربع القديم. وهذا ما تسعى إليه النهضة من جهة باعتبارها معادية لمصالح الشعب وهو ما أثبتته تجربة الـ10 سنوات من حكمها ويسعى إليه حزب عبير موسي من جهة أخرى من نفس المنطلقات. ورئيسة هذا الحزب عبّرت في أكثر من مناسبة عن عدائها للثورة واعتبرتها انقلابا مدبّرا ضد بن علي وزمرته. فكيف لها أن تدافع عن مصالح شعب ترفض الاعتراف بكونه أنجز ثورة شعبية شدّت انتباه الرأي العام الدولي ومثلت دافعا للشعوب كي تنهض وتؤمّن بقدراتها النضالية.
خامسا، إنّ صعود الدستوري الحر في عمليات سبر الآراء وإمكانية فوزه في الانتخابات القادمة لم يكن نتيجة حضور ميداني وارتباط بالشعب وانتصار لمطالبه بل سيناريو مخطط له داخليا وخارجيا لحصر الصراع السياسي بين مجموعتين أو حزبين “كبيرين” الدستوري الحر من جهة والنهضة من جهة أخرى.وهي ثنائية مريحة للبورجوازية الكمبرادورية وللقوى الإقليمية والاستعمارية الغربية لضمان مصالحها الاستراتيجية في تونس. ثم إنّ هذا الصعود لا يخيف القوى التقدمية والديمقراطية إلاّ من زاوية أنه حلّ مغشوش لا يستجيب لانتظارات الشعب واستحقاقاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.فالدستوري الحر لا علاقة له بالحداثة ولا بالديمقراطية ولابالمساواة ولا بالسيادة الوطنية ولن يكون قادرا على بناء اقتصاد وطني مستقل قادر على تأمين السيادة الغذائية وتوفير الشغل للشباب. وقد خبر الشعب التونسي ما أتاه بن علي زمن حكمه من تصحر سياسي وثقافي ومن قمع وترهيب وفساد مالي وإداري وضرب للمنظمات الوطنية في محاولة لإخصاعها بالقوة.
سادسا، أتوجه بسؤال بسيط إلى صاحب المقال: إذا اعتبرت حزب العمال وحمة الهمامي صفر فاصل فلماذا تخشى على الدستوري الحر من الصفر فاصل؟ أ ليس هذا تناقضا غريبا؟. ثم لماذا تعتبر الجهود المبذولة لتعرية حقيقة علاقة الدستوري الحر بالشعب وخلفية صراعه مع النهضة باعتباره صراعا لا علاقة له بمصالح الشعب، خدمة جليلة للنهضة؟ أليس هذا النضال كشفا للمستور وعملا دعائيا الهدف منه مساعدة الشعب التونسي على معرفة من هم أصدقاؤه الحقيقيون ومن هم أعداؤه المتستّرون بجلباب الحداثة ومقاومة الظلامية؟ أتريدون منا السكوت عن هذا العمل الممنهج لمغاطة الشعب فيتخلص من رجعية ليسقط تحت براثن رجعية أخرى لا تقلّ خطورة عن الأولى. إنّ دورنا هو حث الشعب على الإيمان بقدراته وإمكانياته النضالية والنضال الدؤوب والواعي من أجل بديل وطني ديمقراطي شعبي لا يمكن تأمينه لا من قبل النهضة ولا من قبل الدستوري الحر.
سابعا، نأتي أخيرا إلى مسألة المجلس التأسيسي وصحة الاستنتاجات الواردة في المقال المذكور حيث أكّد صاحبه:”دعوت إلى مجلس تأسيسي ترتبت عليه كل الكوارث…”.
أولا لابدّ من التأكيد أنّ شعار المجلس التأسيسي شكل بالفعل خطرا على المنظومة القديمة التي حاولت إسقاطه والاستعاضة عنه بالعودة إلى دستور 1956 مع إدخال بعض التنقيحات عليه. وهو موقف سياسي يرفض تجاوز المنظومة القديمة والتأسيس لأخرى جديدة مختلفة وهو الهدف الذي سعى من خلاله حزب العمال وباقي القوى الثورية إلى رفع شعار المجلس التأسيسي.
لكن موازين القوى من جهة والإمكانيات التنظيمية الذاتية للقوى اليسارية وجاهزيتها ومستوى انغراسها لم تمكنها من الظفر بأغلبية المقاعد. ورغم هذه النتيجة المختلة لصالح قوى الظلام فإنّ مخرجات المجلس التأسيسي المتمثلة في دستور 2013 تعتبر انتصارا للقوى الديمقراطية والتقدمية ومكسبا مهما يمكن تطويره والبناء عليه.
وللتذكير فقط حتى لا ينسى صاحب المقال فإنّ الجبهة الشعبية هي الطرف الذي دعا إلى تأسيس جبهة الإنقاذ التي أسقطت بنضالاتها الميدانية واعتصام الرحيل حكومة الترويكا ومهدت للدستور الجديد الذي جاء مختلفا جذريا عن دستور النهضة المعروف بدستور 1 جوان.
إنّ حزب العمال وكل القوى الديمقراطية والتقدمية باقية ما بقي الاستغلال والفساد والتبعية وهي عائدة بعد أن قيّمت تقييما موضوعيا صارما تجربة الانتخابات والعمل المشترك ( تجربة الجبهة الشعبية) وستعمل على الاستفادة من هذا التقييم لكلا التجربتين لتعيد تنظيم صفوفها وتلعب دورها كقوة ثالثة في قطيعة مع الرجعيّتين الظلامية والحداثية المزيّفة.