عمار عمروسية
مثلما كان متوّقعا يبدو أنّ أيّاما عسيرة مازلت في انتظار نظام الحكم القائم المنهك بصراعات أقطابه الأساسيّة حول السلطة ومغانمها.
فشتاء هذا العام من زاوية الحراك الاجتماعي والشعبي يبدو في حدود كبيرة مختلف عن أغلب سابقيه على الأقلّ من زاوية ديمومة نهوض ضحايا الخيارات الاقتصادية والاجتماعيّة المتوحشة وكذلك من ناحية توسّع مساحات الغضب جغرافيّا وبشريّا. فعربة الاحتجاجات سريعة التّنقلّ من جهة إلى أخرى ومن قطاع إلى غيره ووسائل الاحتجاج مختلفة ولا ضواط أمامها سوى تحقيق المطالب التي لا حدود لضبط سعة مروحتها.
يكبر لهيب الحريق الاجتماعي وتعمّ شظاياه يوميّا الأرض والبشر بما يعزّز جذوة المقاومة الشعبية ويُفشل جميع مناورات الالتفاف والخنق.
ينهض في كلّ زاوية وركن من البلد ضحايا حكم العصابات المتناحرة ليعيد من بعيد مضامين الخصوصيّات الشتوية لنضال شعبنا.
ينفض المنسيّون وطالبو الحقوق المشروعة عن أنفسهم غبار “الحقرة” والتّهميش الطبقي والجهوي فيعيدون لجانفي مجده المرسوم بدماء الشهداء وعذابات حملة المشروع الوطني والشعبي. تلهث حكومة الموت دون جدوى وراء بؤر الاحتجاج وتبدو عاجزة حتّى عن لعب دور المطافىء. تتوالد بؤر الغضب والاحتقان وتتغذّى من إخفاقات المنظومة وجرائمها التي طالت كلّ المجالات.
هدأت حكاية “الكامور” وعادت “الفانة” إلى الضّخ باتّفاق ملغوم فتح كلّ الأفواه ونشّط الحركيّة المطلبيّة فقفز وجع “الدولاب” وتعطّلت كلّ دواليب الإنتاج الفسفاطي بجهة قفصة وعمّت رياح الغضب قطاعات وجهات بأكملها أعلت سقف المطالب وجذّرت أشكال النّضال من خلال إضرابات مفتوحة وإضرابات جهوية فيها ما أنجز وفيها القادم الذي قد يفتح على حراك وطني. شتاء الشعب هذه السنة مثقل بهويّة طالبي الحقوق ولعلّ دخول شبيبة الفقر والتّهميش ليلا ساحات الرّفض لخيارات التّجويع والاحتقار في “سوسة” و”القصرين” والقيروان”وبعض الأحياء الشعبية من العاصمة من المؤشرات الجديدة لبداية منعرج جديد في سياق النهوض الاجتماعيّ.
تراوح منظومة الحكم في مكانها على إيقاع معاركها الوقحة وفضائح فساد بعض أقطابها وجميع عوامل الانفجار الاجتماعي الواسع تتوالد وتتعزّز. فحكاية شبيبة الليّل مثل وقائع ليلة البارحة في أكثر من منطقة وخصوصا سليانة قد تكون بداية سرديّة شتوية جديدة
لا أحد بإمكانه ضبط إيقاع تطوّرها ولا تقلّباتها مستقبلا خصوصا في ظلّ التّعاطي الأمني الغليظ مع الاحتجاجات. تغرق المنظومة في حساباتها الخاصّة وتدير وجهها عن شعبها وتقابل صراخ ضحايا البطالة والتّهميش وغلاء الأسعار ومخاطر تفشّي جائحة كورونا بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع المرفق بالإيقافات والمحاكمات دون أدنى اكتراث لدروس الماضي القريب. فأساليب البطش والتّنكيل مهما كانت غلظتها فشلت وانقلبت على أصحابها.