حبيب الزموري
لئن تمكّن هشام المشيشي من تمرير تشكيلته الحكومية بما فيها العناصر التي تحيط بهم شبهات فساد يوم أمس بمجلس النواب بحصوله على أصوات 144 نائبا، فإنّ الظروف التي حفّت بهذا التحوير الحكومي منذ بداية تسويقه في الساحتين السياسية و الإعلامية تكشف عمق الأزمة السياسية والأخلاقية التي يمرّ بها النظام الحاكم بمختلف رؤوسه ومؤسساته.
أوّلا، اندرج هذا التحوير في سياق الصراع بين مؤسسات الحكم في قرطاج والقصبة وباردو. وقد كان واضحا منذ إسقاط حكومة الحبيب الجملي وحصول حكومة إلياس الفخفاخ على الثقة في مجلس النواب أنّ سقوط هذه الأخيرة مسألة وقت فقط ليس في علاقة بملفات الفساد وتضارب المصالح التي روّجت لها حركة النهضة وحلفائها، وهي المتحالفة مع بارونات الفساد في البلاد، بل في علاقة بالحرب على المواقع والسيطرة على مفاصل أجهزة الدولة.
ثانيا، يندرج اختيار رئيس الجمهورية لهشام المشيشي لتولّي رئاسة الحكومة في إطار نفس الحرب على المواقع بين قصر قرطاج والأغلبية النيابية في البرلمان بقيادة حركة النهضة. ولكن قيس سعيد فشل فشلا ذريعا في اختيار جنرالاته لخوض هذه الحرب رغم الحزام السياسي والمدني الذي يحاول إحاطة نفسه به والذي يعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أحد مكوناته الرئيسية. لكن هذا الحزام لم يَحُل دون غرق قيس سعيد في متاهة شعبويته وأصبح أشبه ما يكون بجنرال يخوض حربا بلا جيش.
ثالثا وأخيرا، و هو الأهم، لم يكن التحوير الوزاري مبنيّا على مراجعة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي انتهجتها مختلف الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بقدر ما كان محاولة للسيطرة على أجهزة الدولة من قِبَل الأطراف السياسية الرجعية الداعمة للمشيشي في مساعيه للخروج من جلباب قيس سعيد، لتمرير السياسات والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية المفروضة من صندوق النقد الدولي منذ سنة 2012 التي لم تتمكن الحكومات السابقة من تمريرها بفضل يقظة القوى السياسية التقدمية والثورية والقوى المدنية والحقوقية والنقابية. وسيكون الحل الأمني القمعي الذي انتهجته حكومة المشيشي بدعم من الأطراف الرجعية في البرلمان واستعراض الأجهزة القمعية للدولية يوم 26 جانفي تدشينا لمرحلة جديدة من الحكم في تونس. إذ أيقنت الأطراف الرجعية الحاكمة، وفي مقدمتها حركة النهضة التي حرصت كل الحرص على عدم مغادرة مواقع الحكم منذ 2011 مهما كانت التنازلات التي عليها تقديمها، أنّ صلوحية الأوهام والأكاذيب والوعود الزائفة التي غالطت بها عشرات الآلاف من التونسيات والتونسيين قد انتهت وأنّ آخر أوراق التوت التي كانت تستر بها برامجها وسياساتها المعادية للشعب ولروح ثورته المجيدة قد سقطت لتجد نفسها في نفس الخندق السياسي مع أكثر القوى رجعية وأكثر الأطراف فسادا وإجراما.
إنّ مصير المشيشي سيكون أسوأ بكثير من مصير من سبقوه من رؤساء الحكومات السابقين في ظل تصاعد وتيرة الغضب الشعبي وتنامي الوعي بخطورة تواصل هذه المنظومة في الحكم على مستقبل البلاد والشعب وصعود شعار “إسقاط النظام من جديد”.
أمّا قيس سعيد الذي يحاول النّأي بنفسه عن السقوط السياسي والأخلاقي فضلا عن الفشل الاقتصادي لحكومتي الفخفاخ والمشيشي فإنّه يُعتبر جزء لا يتجزأ من أزمة منظومة الحكم أخلاقيا وسياسيا بوصفه عرّاب الحكومتين. ويتحمّل معهما كافة مظاهر السقوط السياسي والأخلاقي. بل بوصفه جنرال من جنرالات حرب المواقع الرجعية البعيدة كل البعد عن مشاغل التونسيات والتونسيين ومعاناتهم اليومية.
فليسقط النظام، كل النظام، ولتشكّل القوى الحيّة في البلاد ملامح البديل الديمقراطي والوطني المعبّر عن هموم وطموحات الشعب التونسي الحقيقية. إنّ تكلفة سقوط النظام التي يتخوف منها عدد كبير من التونسيين لن تكون بأيّ حال من الأحوال أثقل من تكلفة تواصل هذا النظام الرجعي والمافيوزي في الحكم.