شهدت الأيام القليلة الماضية حملة اعتقالات عشوائية طالت الشباب المحتج من مختلف الجهات على منظومة الحكم، فبعد عشر سنوات من الثورة لم يجن الشباب سوى مزيد التهميش والحڨرة والتخبط في مشاكل اجتماعية واقتصادية لم تجد لها حكومة المشيشي من حل إلا القمع والعنف والسجن.
حول هذه الاعتقالات والمحاكمات التي أقيمت التقت “صوت الشعب” الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان السيد بشير العبيدي وأجرت معه الحوار التالي:
لو توضّح لنا بداية ما هو عدد الموقوفين في كافة الجهات؟ وكم عدد المسرّحين، وما هي طبيعة الأحكام الصادرة عن المحاكم؟
حسب ما توفّر لدينا إلى حدود يوم الجمعة 29 جانفي 2021 بلغ عدد الموقوفين 1460 دون احتساب الأفراد الذين لم تصلنا إشعارات في شأنهم، حيث أننا نكتشفهم إمّا بإحضارهم لدى المحاكم أو عند زيارة فرقنا للسجون والإصلاحيات. وقد بلغ عدد العائلات الذين اتصلوا بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لطلب التدخل لفائدة أبنائهم 570 عائلة دون اعتبار من اتصل بجمعيات أخرى وبالمحامين مباشرة.
فيما يخص الأحكام فقد تلخصت في:
– أحكام بعدم سماع الدعوى (اثنان أحدهما أحمد غرام)
– خطايا تراوحت بين 50د و500د
– أحكام بالسجن تتراوح بين شهرين (2) مع تأجيل التنفيذ إلى أربع (4) سنوات سجن نافذة. وقد تمّ تسريح أكثر من ثلث القصر في انتظار جلسات المحاكمات المقررة في شهر فيفري.
كم نسبة القصّر من عدد الموقوفين، وهل كانت الإجراءات القانونية في حقّهم سليمة؟
لا نبالغ إذا قلنا أنّ نسبة القصّر الذين تمّ إيقافهم تراوحت بين 25 و30 بالمائة، تمّ إيقافهم عن طريق المداهمات وتمّ الاعتداء عليهم بأشكال متعددة بدءا بالاعتداء أثناء الإيقاف وعند النقل إلى إجبارهم على الاعتراف بأعمال لم يشاركوا فيها أو الإدلاء بشهادات ضد أشخاص آخرين وحتى الإمضاء على محاضر دون حضور أوليائهم وتزوير تاريخ الميلاد للتخلص من المسؤولية وإيداعهم السجن.
وقد اكتشفنا أنّ عددا منهم ناهز العشرين قد تمّ إيداعهم السجن كما تمّ إجبار أوليائهم على إمضاء محاضر مزوّرة تُدينهم. ولم يحترموا الإجراءات القانونية في إبلاغ الأولياء وحضور المحامي. كما تعرّض الكثير من الأولياء إلى الاعتداء بالعنف أثناء حضورهم إلى مراكز الإيقاف.
وقد اكتشفنا من بين المودعين في السجن الحالات التالية:
– مصاب بالتوحد
– مريض السكري يتلقّى علاجا على العمود الفقري ويتلقى حقنا بمعدل ثلاث مرات في اليوم
– مُقعد وحامل لبطاقة إعاقة
-32 طالبا بسبب تدوينة أو تصوير
-6 أبناء أمنيين لا ينتمون إلى النقابات الأمنية
-1 عمره 16 عاما يتمّ إيقافه في بوشوشه ثم نُقل إلى سجن مرناق، يكتشفه الفريق الزائر للرابطة فيُنقل إلى إصلاحية المروج ثم يُترك في حالة سراح نظرا لوضعه الصحي والنفسي (تجربة إيقافه الأولى يزور فيها كل الأماكن السالبة للحرية).
ما هي نوعية الانتهاكات التي تعرّض لها موقوفو الحراك الاحتجاجي؟ وكيف تقيّم الرابطة التعامل الأمني مع الإيقافات ومع التحركات الاحتجاجية عموما؟
حالما انطلقت الاحتجاجات عمدت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى بعث خلية أزمة دائمة متكونة من شابات وشبان متطوعين ومتطوعات من العاملين والعاملات بالرابطة لمراقبة تطورات الأحداث وتوثيق المستجدات ساعة بساعة. كما عملنا على تفعيل مرصد حماية الحريات بالشراكة مع الهيئة الوطنية للمحامين. وكنا في حالة يقظة تامة ليلا نهارا لرصد الانتهاكات، يدفعنا تخوّفنا من استغلال الأمنيين لقانون الطوارئ والحجر المعلن بسبب الوباء. وبالفعل كان ما سجلناه مرعبا في علاقة بالتجاوزات والاعتداءات التي بلغت حدّ استشهاد “هيكل الراشدي” إثر إصابته مباشرة بقذيفة غاز في الرأس بمدينة سبيطلة على غرار ما حدث لـ”محد بالمفتي” في قفصة سنة 2013.
أمّا عن الانتهاكات التي تعرّض لها الموقوفون فقد فاقت التوقعات بما لا يدع مجالا للقول بأنها أخطاء فردية وغير ممنهجة، وهو ما يؤكد تخوفاتنا من عودة دولة البوليس والتراجع في مجال الحريات والمكتسبات، وخاصة في باب حرية التعبير والصحافة والإعلام.
وقد تنوعت الاعتداءات من المداهمات للبيوت إلى السحل في الشوارع ورمي المقذوفات المسيلة للدموع في شرفات المنازل وترويع السكان في بيوتهم إلى الاعتداء على الموقوفين عشوائيا وعلى الهوية العمرية من 14 إلى 30 عاما.
– الاعتداء عليهم في سيارات الأمن خلال نقلهم إلى مراكز الإيقاف.
– الاعتداء عليهم في مراكز الإيقاف بالضرب والتهديد والترهيب.
– الاعتداء على أولياء القصّر من الموقوفين وإجبارهم على إمضاء محاضر تُدين أبناءهم.
– عدم احترام القانون في إعلام الوليّ وحضور محام.
عمدت قوات الأمن في عدة جهات إلى مداهمة منازل بعض الشباب بسبب تدوينات على موقع التواصل الاجتماعي. ألا يُعَدّ هذا خرقا لحرية التعبير؟
هذا الإجراء ليس بجديد، ملاحقة المدونين وإيقافهم ومحاسبتهم على ما يكتبونه هو بالفعل اعتداء على حرية الرأي والمعتقد والتعبير، ومع بداية حراك جانفي 2021 وأثناءه تكثفت المداهمات وملاحقة المدوّنين بدعوى التحريض على التظاهر والاحتجاج وعلى المعاداة للأمنيين وتهديد الأمن العام. وقد لاحظنا من خلال الإحالات اللجوء إلى فصول قانونية مقبورة لم تحيّن منذ أواخر القرن الماضي كالأعمال التي من شأنها إقلاق الراحة العامة أو تجمع أكثر من عشرة أفراد بنيّة ارتكاب جريمة، والتي خلنا أنّ الزمن تجاوزها ولم تعد ملائمة للعصر. غير أنّ المنظومة الأمنية وبمعاضدة النيابة العمومية تعمد إلى استجلاب كلّ الوسائل القانونية وغير القانونية للتعبير عن إرادة ورغبة قوية في العودة إلى منظومة تكميم الأفواه والتعذيب الممنهج وقمع الحريات السياسية والفردية، وبالمقابل نصطدم بتواطؤ المنظومة القضائية ممثلة في النيابة العمومية في قبر كلّ القضايا المتعلقة بالاعتداءات الأمنية وعلى رأسها قضايا الشهداء “شكري بالعيد”، “محمد البراهمي”، “محمد بالمفتي”، “لطفي نقض”، “خميس اليفرني”، “أنور السكرافي”، “عمر العبيدي” وتكريس ظاهرة الإفلات من العقاب.
ما هي في تقديركم آفاق تطوّر الأوضاع في تونس بعد الموجة الاحتجاجية الأخيرة؟ وما المطلوب من الحركة الديمقراطية أحزابا ومنظمات؟
الحركة الاحتجاجية بزخمها الشبابي والشعبي تعطي مرة أخرى الدرس في الحسم في المنظومة السياسية الحاكمة وفي فشل الخيارات الاقتصادية والسياسية المرهونة لدى الدوائر المالية العالمية والبورجوازية الليبرالية العميلة بشقّيها الديني والليبرالي، وتؤكّد أنّ خيار الثورة هو السبيل لتخليص البلاد من حكم المافيات. إنّ سقوط الشرعية الانتخابية التي أفرزت مشهدا سياسيا تشريعيا متأزّما وتنفيذيا مرتبكا نتيجة تدخل المال الفاسد تعطي شرعية جديدة للشعب، وإلى قواه الثورية إلى إعادة النظر في المنظومة وسحب الثقة منها عبر التعبير المباشر بالرفض في الشارع وهو ما تعبّر عنه الشعارات المكثفة التي رفعها الشباب المنتفض طيلة الأسابيع الماضية. وهو ما يدعو بجدية الأحزاب والمنظمات الوطنية إلى مراجعة النفس وضبط الإيقاع على قياس التحولات الجديدة وقواها الثورية، وتجاوز خلافاتها الهامشية إلى صهر قواها في برنامج خلاص وطني يكون لها فيه دور المؤطّر والمنظّم الملهم في اتجاه كنس التحالف الرجعي من الحكم وفتح الأفق للدولة الديمقراطية الاجتماعية. وعلى الأحزاب الثورية أن تكون أكثر حرصا على تحقيق الوحدة الميدانية والتسلح بالحد الأدنى الجامع.
صوت الشعب