أمّ البشنة هي منطقة ذات طبيعة جميلة جدّا من عمادة العاذر، معتمدية فرنانة. وهي ذات طابع فلاحي مثل جميع أرياف جندوبة. ولكنّها تعيش واقعا مأساويّا ثابتا رغم محاولات أبنائها التّعريف بمختلف مشاكل منطقتهم منذ سنوات. فهي تضمّ مئات العائلات، وهم ليسوا سوى رصيد انتخابي، إذ مازالت الإشكاليّات العالقة منذ ما قبل الاستقلال قائمة إلى اليوم. ففي مستوى البنية التّحتية لا يوجد ما يخفّف وطأة المعاناة اليوميّة للسّكّان. إذ لا يتوفّر الطّريق الموجود على مواصفات تجعله يفكّ العزلة عن المنطقة. ولهذا السّبب لا يتوفّر النّقل الرّيفي باستمرار ، وبالتّالي فإنّ فصل الشّتاء يتحوّل إلى جحيم حقيقي بسبب الاِنقطاع عن المحيط القريب لتوفير مستلزمات الحياة من غذاء ووقود وقوارير الغاز للطّبخ والتّدفئة. كما لا يتوفّر الماء الصّالح للشّراب في منطقة تُعدّ خزّانا هائلا للمياه العذبة رغم وعود المسؤولين بفضّ هذا الإشكال. ويقطع التّلاميذ مسافة تقارب الكيلومترين للوصول إلى المدرسة، وهو ما يؤثّر فيهم سلبا خاصّة في فصل الشّتاء القاسي نتيجة للبلل وما ينجرّ عنه من تداعيّات صحّية. ولهذا تشهد المنطقة نسبة انقطاع كبير من الدّراسة تزيد في تعميق مشاكل الكثير من العائلات الّتي مازالت تعيش في أكواخ بدائيّة لا تتوفّر فيها أدنى مقوّمات الكرامة الإنسانية. وتبعا لكلّ هذا فإنّ الأزمة لا تتوقّف عند المظهر المادّي للمنطقة وسكّانها بل تتجاوزها إلى المستوى النّفسي للمواطنين الّذين يشعرون أنّهم في أسفل ترتيب سلّم المواطنة وحقوق الإنسان.
وطبعا إنّ مقاومة كلّ المظاهر السّلبيّة المتنامية في المجتمع تنطلق من توفير حقوق هذه المنطقة وغيرها من المناطق الحدوديّة المهمّشة. وهو أمر لم تنجح الحكومات المتعاقبة في الاهتمام به قدر اهتمامها بأصحاب اليخوت والفنادق. فهؤلاء تونسيّون وليسوا دخلاء على البلاد. وقد ضحّى أجدادهم لتحرير البلاد. فإلى متى تستمرّ التّضحية بالأحفاد؟ إنّ منطق الإعانات والتّعامل مع الشّعب المهمّش كما لو أنّ مشكلتهم تتوقّف عند بعض الأغطية والمواد الغذائيّة، لا يحلّ المشكلة. فالنّساء والأطفال والشّباب وكلّ العائلات بصفة عامة لا يعيشون على الأكل والنّوم. بل إنّ لهم حقوقا وهي مسؤوليّة الجميع تجاههم وتجاه كلّ تونسّية وتونسيّ في كلّ شبر من البلاد، وإنّ استمرار أمثال هذه الأوضاع هي إهانة لكلّ التّونسيّين أمام الشّعوب وأمام التّاريخ، ولهذا ينبغي تغيير هذا الواقع.
حسين الذوادي