عمار عمروسية
تناقل الرأي العامّ في بلادنا بطرقه الخاصّة في الأيّامّ القليلة الماضية حيثيات وروايات التّنكيل الواسع بشبيبة النسيان والغضب وأعاد إلى الذّاكرة ويلات عقود الهمجيّة والتّدجين الاستبدادي للمجتمع والشّعب.
فموجة القمع التي رافقت النّهوض الاحتجاجي الأخير كانت كاسحة وغير متناسبة مع فعاليات الحراك وآلياته. وجعل الكثيرين من نشطاء حقوق الإنسان بالدّاخل والخارج يسارعون بدّق نواقيس الخطر أمام هذه الاستدارة المباغتة نحو إنعاش الدّولة البوليسيّة الغاشمة التّي ذهب في ظنّ الكثيرين سقوطها والتّخلّص من ويلاتها. عجّت الشبكة الاجتماعيّة في بلادنا منذ السّاعات الأولى بمقاطع فيديوهات أبرزت بما لا يدع مجالا للشّك الاندفاعة الأمنيّة المتهوّرة لخنق الحراك ووأده في أسرع وقت باستعمال جميع الطّرق المارقة عن الحقوق الدستوريّة والقانونيّة وبطبيعة الحال الإنسانيّة. أحاديث المقاهي والبيوت وجلسات متابعي الشأن العامّ تابعت حكايات التّنكيل ببعض أطفال وشباب الجيران والأقرباء التي تصل من الإعلام الموازي بعيدا عن نشرات الأخبار والمنابر الرّسميّة.
جرّافة القمع وأساليب البطش أعادت إلى ذاكرة الكثير من عائلات الموقوفين بشاعة العنف الذي رصدته مخيّلتهم من شاشات التلفاز في بلدان كثيرة. فوالد أحد المحتجزين بـ”صفاقس” بوجهه العاري ودموعه الغزيرة تحدّث عن طفله وظروف إيقافه كما لو كان يقع في فلسطين المحتلة وزمن “شارون”!!! وواحدة من نساء الأحياء الفقيرة بقفصة المدينة روت في وقفة احتجاجية أمام ولاية المكان قصّة مداهمة منزلها فجرا والاعتداء أمام الجميع على إبنها الوحيد. وأعادت أكثر من مرّة “نحنا في بوغريب.. نحنا أكثر من بوغريب”!!
هكذا وضع السيّد “المشيشي” حكمه في أعين الكثيرين من شعبه وأعاد من جديد صورة نظام الحكم تحت مجهر المنظمّات والجمعيّات الحقوقيّة في الدّاخل والخارج.
ولعلّ النّدوة الصحفيّة اليوم للرّابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وما ورد فيها من حيثيات فظاعات الوحشيّة التي قوبل بها الحراك بداية تضييق الخناق على منظومة الخراب الاقتصادي والاجتماعي والحنين إلى الاستبداد والديكتاتورية التي قفزت فوق الدستور والقانون وجميع المواثيق الدّوليّة المتصلة بحقوق الإنسان وفتحت الباب أمام سطوة القوة الغاشمة والبلطجة التي أفضت إلى حوالي 1500موقوف ثلثهم من القصّر وأغلبهم تمّ اعتقالهم بعد مداهمات عشوائية مارقة عن القانون. والأفظع من ذلك عودة التّعذيب المنهج في التعاطي مع المحتجزين وإخضاع البعض منهم إلى معاملات مهينة للذّات البشريّة مثل أطفال “المهدية” الثمانية الذين تمّ انتزاع سروايلهم وتهديدهم بالإغتصاب. فالانتهاكات واسعة وتكاد تكون شاملة أثناء الحجز والاستنطاق دون مراعاة وجوبيّة حضور لسان الدّفاع. والأنكي من ذلك وفق شهادة عميدة المحامين إجبار الكثيرين على إمضاء محاضر بحث مستنسخة جاهزة مسبقا تصل في البعض منها العقوبة حدود الإعدام لمجموعة أطفال بالشمال الغربي حسب تصريح عضو بالهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان!!
إنّ المسؤول الأوّل عن جميع هذه الفظاعات بما فيها استشهاد “هيكل الراشدي” والأضرار البدنية التي لحقت العشرات من المحتجّين هو دون شكّ رئيس الحكومة. وتصبح المسؤولية أكبر بصفته وزيرا للداخليّة.